عصر الفواتير

> محمد سالم قطن

> يسمونه عصر ثورة المعلومات، عصر التقنية والصناعة والنهضة الشاملة .. نعم، قد يكون هذا صحيحاً بنسبة مئوية تفوق النسبة المئوية الشائعة عن نتائج الانتخابات في البلدان العربية، لكن الأهم في نظري، وفي أنظار الكثيرين من ذوي الجيوب الخالية ومن الموظفين أصحاب الدخل المحدود، هو الإشكالية التي أفرزتها تقانة هذا العصر ونهضته المزعومة لتواجهنا بالصدمة بعد الأخرى مطلع كل شهر، بمرأى أرقام المبالغ المتوجب على كل منا دفعها ثمناً لعيشنا في هذا العصر فواتير متعددة ومتنوعة ومن شتى الألوان ومختلف التصاميم، جاءت بها هذه النهضة التي تزعم بأنها تستهدف الارتقاء بأسلوب معيشتنا، وتحقيق حياة الترف في منازلنا، فمن فواتير الماء وما يسمى بالصرف الصحي، إلى فواتير الهاتف الأرضي والخلوي، مروراً بفواتير الكهرباء، إلى فواتير الانترنت .. تتضخم المبالغ المقتطعة من أجورنا ومرتباتنا سداداً لهذه الفواتير، إلى جانب ما يتوجب اقتطاعه من إيجارات السكن ثم المواصلات ورسوم الدراسة وأقساط ومستلزمات تعليم الأولاد والبنات.

ورغماً عن هذا، بل بالإضافة إليه، فإن العارفين يعلمون بأنه لم تخترع أية (رياضيات) جديدة حتى الآن تتيح للمحللين الاقتصاديين عقد المقارنة المحاسبية والموازنة المالية بين المرتبات والأجور المتدنية، أو بالأحرى ما يتبقى منها بعد دفع قيمة هذه الفواتير.. فماذا يتبقى للأكل وطعام الأسرة ثم للملابس؟ وكم يتبقى للدواء؟ وأين ثم أين ما يتوجب أن يدخره العقلاء لنوائب الدهر، وحوادث الزمان؟

وتأسيساً على ما سبق، نجد أن الهدف المزعوم في تحقيق رفاهية العيش في ظل عصر الفواتير، سيظل بعيد المنال تحقيقاً وإنجازاً، ما لم تردم الهوّة السحيقة بين دخل الأسرة وخرجها. غير أن هذا يمكن أن يحدث، فلعلنا قد سمعنا بأن بعض الناس يسبقون عصرهم، أو هكذا يقال، بسبب ريادتهم الفكرية، أو نتيجة لعطاءاتهم الجمة، لكننا لم نسمع أو نر أناساً قد خرجوا عن عصرهم، إلا في هذا العصر، عصر الفواتير. فبجرة قلم من موظف صغير يمكن إخراج عشرات الأسر وفي لحظة واحدة من هذا العصر، عصر الكهرباء، فالفارق الزمني بين عصر وعصر، ويا للغرابة، فاتورة واحدة لم يتم تسديدها.

يتكرر هذا على الآلية ذاتها فيما إذا لم يسدد أحدنا، ولو سهواً، فاتورة الهاتف، ليتم إخراجه من عصر ثورة المعلومات ودنيا الإنترنت والقرية الكونية ومن وادي السيليكون إلى وديان الضياع .. إنه عصر غريب وعجيب، ندخله بسهولة ثم نخرج منه ببساطة، فالفارق بين بوابة الدخول وبوابة الخروج على مسافة فاتورة أو فاتورتين .. إنه عصر الفواتير!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى