عندما بكى الخليفة

> د.هشام محسن السقاف

> لم أستغرب أن أصحو على رنات التليفون بعد منتصف ليلة الإربعاء الماضي، عندما كان على الطرف الآخر للتليفون صوت الأستاذ هشام باشراحيل، تصنعت أنني لم أفاجا بالاتصال، وفهمت بين نومي ويقظتي أن أبا باشا يريدنا أن نحتفل مساء اليوم التالي بعيد ميلاد الأستاذ الدكتور مبارك حسن خليفة الـ (30+ 40+4).بعد هذه المكالمة - التي من الممكن أن تتحول إلى فيلم عربي بعنوان (مكالمة بعد منتصف الليل)، من بطولة هشام باشراحيل- ربما يكون الأستاذ هشام باشراحيل قد خلد شللنوم، لكني أمضيت وقتاً طويلاً أفكر وأسبر عمق الباشراحيل الذي لم ينم حتى تذكر يوم عيد ميلاد أحد أصدقائه فأشغل نفسه في ذلك الليل يرتب أمر الاحتفاء بهذا الصديق، في معنى إنساني لا يخطر على بال أحد، إلا أن يكون هذا (الأحد) بحجم ومكانة وعقل وقلب أبي باشا (الأب والجد الآن) هشام محمد علي باشراحيل.

تذكرت في هذا السياق (مع اختلاف بيّن في الغايات) الأستاذ الكبير أبا الأحرار محمدأحمد نعمان، الذي لم يهنأ بنومه بعد رحلة مضنية من القاهرة إلى تعز الناعسة، حتى أيقظه مفزوعاً (عكفي) الإمام أحمد الذي أبلغه رغبة الإمام رؤية النعمان في المقام العالي في التو والساعة، لبس نعمان ملابسه التي تلائم التشريف بمقابلة الإمام أحمد، واستودع من أهل بيته - إذ أن الداخل إلى المقام العالي مفقود والخارج مولود- وعندما دخل على الإمام أحمد وجده (مخزناً) القات، وحيداً، وربما تكون تلك الساعة هي ساعة الإمام السليمانية، قبّل النعمان يد الإمام الذي بادره بالسؤال:

- هل كنت في مصر؟

- نعم يا مولاي.

- هل قابلت طه حسين؟

- أعوذ بالله.. كيف أقابل هذا الكافر!

- بارك الله فيك يا محمد.. اذهب لتنام.

عاد النعمان إلى بيته فرحاً مسروراً بنتيجة هذا اللقاء، ونام من ساعته، لكنه لم يهنأ كثيراً بنومه حتى أيقظته دقات العكفي العنيفة على الباب، بعد قليل كان النعمان بين يدي الإمام أحمد الذي كان على وضعه السابق:

- هل قرأت يا محمد لطه حسين؟

- لا يا مولاي لم أقرأ له.

- وكيف عرفت أنه كافر؟

- مولاي يكره طه حسين .. ومولاي لا يكره إلا القوم الكافرين.

- بارك الله فيك يا محمد.. اذهب لتنام.

ذهب النعمان إلى بيته لكنه لم ينم، وبات يترقب قدوم العكفي مرة ثالثة، بينما الإمام أحمد قد قام من مجلسه وخلد للنوم!

أما احتفالنا بعيد ميلاد السوماني الأكبر الشاعر الدكتور مبارك حسن الخليفة، الـ (74) فقد نقلته «الأيام» الغراء بالكلمة والصورة في عددي يوم السبت 5 مارس الجاري، وقد كان لزاماً عليّ أن أخرج الجميع من جو الرتابة بعد أن استمعنا إلى كلمتين ضافيتين في مناقب المبارك (المحتفى به) من قبل الزميل نجيب يابلي، الذي نقب في الكتب ودواوين الشعر، وبين كل ما له صلة ببحر النيل في أم درمان وبحر حقات في عدن، هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، ليخرج بحصيلة عن السوداني - اليمني، المنحوث وشماً في قلوب محبيه، وكذلك فعل الزميل أحمد السقاف، المحرر الثقافي بالصحيفة، ولذلك ارتجلت كلمتي بالمغايرة التي تضفي جو البهجة على المحتفين في منتدى «الأيام»، وتفوت على كبيرنا الذي علمنا اللغة والشعر مبارك حسن الخليفة فرصة البكاء التي تهتبلها جوارحه الصادقة في كل موقف مشابه لتفيض عيناه دمعاً صادقاً، ولكن دون جدوى هذه المرة أيضاً، فقد بكى الخليفة متأثراً بمشاعر الحب التي غمرته من جميع الموجودين، فعبر بطريقته البكائية (الصادقة)، وكاد أن يشاركه طريقته كبيرنا الذي علمنا الصحافة، هشام باشراحيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى