المحضار.. سلطان الفن الغنائي في اليمن.. هل أنصفناه؟!

> رياض عوض باشراحيل

> مرت بنا - مطلع الشهر الماضي- الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر الكبيروالملحن القدير حسين أبوبكر المحضار، الذي رحل عنا بعد رحلة فنية طويلة ومضيئة دامت زهاء نصف قرن من الإبداع والتجديد والريادة والتفوق، ليس على مستوى وطنه اليمني فحسب، ولكن على مستوى جزيرة العرب والوطن العربي كله.

لقد استطاع شاعرنا الكبير أن يسد الثغرات في كافة فنون شعره الغنائي الحضرمي، فعلى يديه نهضت المسرحية الشعرية في الفن الحضرمي، فنظم عدة مسرحيات عرضت على مسارح حضرموت وعدن ومنها: «نداء الأرض»، «تجارب مسافر»، ««المقدم».. وغيرها، وللمحضار يد طولى في صياغة فن المنلوج الغنائي الذي يعالج قضايا جادة بأسلوب فكه وقالب فني هازل فنظم منلوج «الصحة»، «المرور».. وغيرهما، وفي فن الإسكتش الغنائي كتب «أم اليتيم»، «الطالب المعاكس»، «شمسان والشحر».. وغيرها، كما حمل راية الريادة في إبداع فن الأوبريت الغنائي، فمهد الطريق لمن جاء من بعده ليسير على خطاه في هذا الميدان والأوبريت هو لوحة مسرحية تتضمن الغناء والموسيقى والتمثيل، وقد استطاع المحضار بهذا اللون الغنائي الذي أبدع فيه - أوبريت «بنت القبائل»، «عادات الزواج»، «عادات الولادة والختان».. وغيرها - أن يوثق في قالب فني عادات وتقاليد شعبه في حاضرة وبادية حضرموت، وينقدها نقداً موضوعياً، كما سجل أيضا بعض الملاحم النضالية والوقائع التاريخية في اليمن، وبذلك الرصيد الضخم من الفنون الشعرية التي أبدعها وإسهامته الفنية التي ابتكرها، أضحى المحضار بحق «فناناً موسوعياً» يمتلك أدواته عبر موهبة خصبة وعبقرية فذّة قلما يجود الزمان بمثلها.

وفي رأيي الخاص أن أشعار المحضار في أوبريتاته الغنائية من أجود وأرق وأروع ما أبدعته قريحته من شعر غنائي.. خذ مثلاً قوله في أوبريت «بنت القبائل» على لسان «قروي» يتغنى بهواء وماء وسماء قريته وهو يرمز في ذلك التعبير لعشق الوطن وحب الأرض، فاسمع المحضار يقول على لسان القروي:

أعشق أنا قريتي وأعشق هواها

ما يطيب لي العيش في قرية سواها

أطير في جوها والثم ثراها

وافدي بروحي خضاريها وماها

حب الوطن يسرى في فؤادي

وفي عروقي كما تجري دماها

إن صورة المحضار لن تكتمل في ذاكرة التاريخ الخالدة إلا باكتمال صدور أعماله التي لم تنشر بعد، وهذا هو التكريم الحقيقي للمحضار.

فالشعوب المتحضرة تكرم علماءها وفنانيها ورجالها الأفذاذ بطبع أعمالهم كاملة وإخراجها للناس وبيعها بأزهد الأسعار، لتحقق انتشارا كبيراً، لأن تراث المحضار ليس ملكاً لورثته وحدهم، بل هو أيضاً ملك الشعب الذي أنجبه والمجتمع الذي خدمه والوطن الذي أخلص له، وحقه علينا اليوم بعد مضي خمس سنوات على وفاته أن نشيد به ونعيده إلى الحياة غير منقوص من خلال طباعة ونشر أعماله الكاملة، وفك أسر مركزه الإبداعي في الشحر وإقالته من عثرته والمغلق منذ تأسيسه إلى اليوم، ومن وفاء نجله محضار حسين وورثته له أن يعينوا هذا الوطن على الوفاء له، وهم كذلك كما نعرف.

إن هذه المقالة هي رسالة مفتوحة إلى محافظ حضرموت، والسلطة الثقافية في بلادنا .. يحدونا الأمل في إنصافهم لعبقرية تراثنا الغنائي، وكسر جدار الغبن والإهمال والصمت الذي طال في حق هذه القامة الوطنية والثقافية العظيمة، بفتح أبواب مركزه الإبداعي أولاً لندع تراثه يتنفس ويضيء المكان والزمان، ونعمل على طباعة أعماله التي لم تطبع بعد وإخراجها إلى النور ثانياً، ونشر تراثه الفني كاملاً غير منقوص بوسائل مختلفة ثالثاً.

هذا هو تكريم المحضار الحقيقي ويأتي بعده تذكاره بإطلاق اسمه على بعض الأمكنة المهمة في مدننا، وأهمها مدن حضرموت وفي مقدمتها الشحر والمكلا، كما اهتم بذلك فخامة الأخ الرئيس والأخ محافظ حضرموت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى