كركر جمل

> عبده حسين أحمد

> هناك أشياء كثيرة لا نهاية لها ولا نعرفها .. فقد سمعنا كلاما غريبا .. ورأينا أشياء غريبة جدا .. وكلها تتحكم في مصيري ومصيرك ومصير كل الناس .. فأنا لا أعرف بصورة واضحة خفايا كل القضايا في حياتنا .. ولا أستطيع أن أنساها نهائيا .. ولا أقدر أقول إن هناك علاقة بينها .. ولا أعرف كيف يمكن أن تكون هناك علاقة .. وكيف يستطيع رجل بسيط مثلي أو غيري أن يعرف هذه العلاقة.

< ولا بد أن الذي أشعر به في هذه الأيام هو اليأس والاستسلام .. حاولت أن أشغل نفسي بأي شيء ولكنني لم أستطع .. قلت «يا شيخ سيبك من الدنيا وهمومها وخلي كل شيء على الله» .. هذه الجملة الأخيرة قلتها لنفسي .. ولكن الذي حدث أن هذه الدنيا لم تتركنا لحالنا .. وكفانا ما سمعنا ورأينا .. حتى أصبحت عيوننا وآذاننا مفتوحة ولكننا لا نرى ولا نسمع.

< وبالرغم من أن أي أحد لا يهمه أحيانا .. أن يقول له أي إنسان أي كلام .. ولكنه يشعر أنه لا بد من حماية نفسه من الذين يعيشون على حسابه .. ولذلك فإن كل الذين عرفوه انزعجوا من هذا الاستسلام البريء والساذج لأوامر ووصايا الآخرين .. حتى أصبح لا يعرف بالضبط ما الذي يجري في داخله .. ولا يعرف من الذي يفكر ولا من الذي يقرر .. وهل يستطيع أن ينكر وجوده أو يفعل أي شيء يجعل لوجوده معنى؟ .. فهو لا يدري ما الذي فعله في هذه الدنيا؟ .. بل هو لم يفعل شيئا .. إنما هناك شعور غريب جعله يحس أن حياته تتضاءل كل يوم .. وأن مستقبله بدون رصيد .. وأنه في حالة تشبه الموت .. وهو في الوقت نفسه حريص على الحياة.

< ومن المؤكد أن هذا الكلام ليس فلسفة .. وإنما هو واقع يعاني منه أكثر الناس .. وأنا لا أريد أن أوجع أحدا .. ولا أريد أن أسبب أية متاعب لأحد .. أبدا .. لكنني أتمنى أن تسمع وتفهم كلامي .. ثم لا بد أن تتكلم .. أن تقول أي شيء بطريقة معقولة ولغة مفهومة لكي يسمعك ويفهمك الآخرون .. الذين جعلوا حياتك جحيما .. وجعلوك تضيق من ثيابك .. وقتلوا البهجة في صدرك .. وخطفوا النور من عينيك .. وصبغوا شعرك بالبياض .. وجعلوا تجاعيد وجهك توحي أنك في الثمانين وأنت مازلت في الثلاثين من عمرك.

< ثم أرجوك ألا تفهمني خطأ .. فأنا لا أدعوك إلى أن تقسو على أحد .. أو تنتقم من أحد .. حتى الذين شربت المر من أيديهم .. فلست في حاجة إلى أن تضاعف عذابك .. أكثر من حاجتك إلى تخفيف هذا العذاب .. ويكفي أنك قد قاسيت الكثير في حياتك .. وأنك تعذبت وحدك .. وأنك لم تجد الرحمة والعطف من أحد.

< وأنا أعرف أنك إنسان طيب القلب .. وأن ملامح وجهك تدل على أنك هادئ جدا .. وأنك غير عصبي ولا تثور إلا نادرا .. وأن من عادتك أن تطوي نفسك على همومك ولا تقول شيئا منها لأحد .. وقد تعلمت بالتجربة أن تجعل الناس لا يفهمون كل شيء عن حياتك .. وأنك راض بهذا.. وتحمد الله أنهم لا يعرفون الكثير عنها .. ولكن أنا أحمد الله أيضا أنك تعرف الكثير مما أقوله لك .. وأنك تعذرني لأنني أفهم أنك واحد من الناس .. تغضب وتتعب وتتعذب .. وأي عذاب أكثر من أن تقرأ هذا الكلام+

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى