غربة الروح

> بشير حاتم البذيجي/الشيخ عثمان - عدن

> الشمس متعبة في الأفق تلملم بقاياها لتستعد للرحيل، والبحر يتغير لونه من الزرقة إلى الدكونة، والطيور البحرية تعود إلى أوكارها زوجين زوجين، والأمواج تودع الشمس بصوتها المبحوح الممل.
استلقى بجسده النحيل على رمال الشاطئ الناعمة، وأنامله تتغلغل في شعره الكثيف وتارة تنتف خصلات منها.. آلاف الصور تجعله يغرق في تفكيره وتأمله وتذيقه مرارة الانتظار.
السواد يغزو الأفق ويعربد في النفوس، والبحر تزداد دكونته فيثير في نفسه آلام الوحشة وكآبة الوحدة. والساعة تدق بجرسها المزعج دقتين كل دقيقة فتتضاعف عدد دقات قلبه، وتؤجج فيه نار الانتظار المرير، والسكون يبدده نباح الكلاب وصوت الأمواج وأنين النوارس وصفير الرياح التي تنبئ بالخطر.

تأمل ساعة يده .. تنهد نهدة عميقة اهتز منها صدره وكسب وجهه علامات الاستبشار، بقي نصف الساعة من ساعات الانتظار.

تهادى خيالها أمام عينيه يتمايل قوامها وهي تسير بخطى بطيئة تسحب وراءها ثوبها الأسود المنسدل الفضفاض وتدوس الرمل الناعم بكعبها العالي الغليظ .. تقترب منه وعيناه غارقتان في بحر من الوهم والأحلام، وتتماوج فيهما الدموع في مساء اشتدت فيه رياح القساوة من كل اتجاه وعليه خوض عباب البحر بشراع الحب العذري.

أفاق من حلمه على صوت جرس الساعة يعلن نهاية الموعد وهي لم تصل بعد، استأنف لحظات المرارة مرة ثانية تلاشت الابتسامة التي رسمها الحلم الجميل على محياه، تلفت يميناً ويساراً لم يجد سوى الصمت يسود المكان وأطياف تذهب ثم تعود.

أخذت عيونه تكتحل بمانشيتات جريدته، قلب الأوراق (الصفحات) ليدقق موادها لكن عقله يتلوى في متاهات الشرود.

فجأة رن تلفونه السيار معلناً عن وصول رسالة، دلف إلى صفحة الرسائل ليبحث عن الرسالة الجديدة .. تسمرت عيناه فيها ،تمتم يردد ما كتبته:

لا تنتظر

تلك اليالي أن تعود

فاليوم قد وضعوا لأحلامي حدود

حتى شبابي خيروه بأن يموت أو القيود

قرأ الرسالة مراراً، تمتم بكلمات يجرها الأنين إلى فضاء الحزن والآلام: تركتِني جسداً عزت منه الروح إلى منافي الانكسار والأحزان.. تركتِني كالزهرة بلا عبير.

وراح يلفظ بقايا ذكريات .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى