ينتشر الباعة المتجولون في اليمن ليشكلوا ظاهرة للهروب من الفقر والتعليم وقضايا اجتماعية

> تقرير / ذويزن مخشف

>
فجأة وبدون أي مقدمات أو استئذان.. يتدافع نحو رتل من السيارات الواقعة عند إشارة المرور بالعاصمة صنعاء مجموعة من أولئك الباعة االمتجولين في الشوارع لعرض بضائع وحاجيات مختلفة.

هذه الظاهرة تفاقمت في الآونة الأخيرة في عموم المحافظات والمدن اليمنية، وهي ظاهرة بالتأكيد لم تعد تقتصر على سلع ومواد معينة كالصحف أو المناديل الورقية.. فالمشاهد أنها امتدت لتشمل المرطبات والمعجنات المختلفة والحلوى وأدوات الزينة وشرائط غنائية محلية وعربية وأجنبية، وأشياء أخرى ربما لا يتخيل المرء أنها تباع على إشارات المرور، ودكات الطرقات والأزقة في اليمن.

في جولة الرويشان وسط أرقى شارع بالعاصمة صنعاء (شارع حدة)، نادى أحدهم نبيع بطاريات أو(أحجار) وبائع آخر يصرخ نبيع سيجارة ومرطبات وماء.

وهكذا مع هؤلاء الباعة ينقضي اليوم بليله ونهاره وطقسه المتقلب، سواء في الشتاء البارد أو الصيف الحار خلال مواسم الأمطار أو تحت حرارة الشمس .. ويلجأ المحتاجون إلى إشارات المرور لبيع المواد ولساعات طويلة، والمكسب في نهاية اليوم مبلغ لا يتجاوز اليومية المتواضعة لهؤلاء الباعة.

يقول البائع ناصر: «بعض الأوقات نحصل على مصاريف وبعض الأحيان لا نحصل على شيء».. وبائع آخر : «يوم نحصل ويوم ما نحصلش.. ما فيش عمل معطلين». ويتابع ناصر: «ما أنا داري لمن أقسمها للإيجار أم للماء».. بائع آخر جديد: «يوم ندخل عشرين ألف ويوم خمسة آلاف ويوم لا شيء».

يختلف الباعة المتجولون على تقاطاعات المرور فمنهم الرجال من الشباب وصغار السن وهم النسبة الأعلى للباعة المتجولين في اليمن، ولكن النساء كذلك موجودات والسبب الرئيسي الذي يدفع الجميع «الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والأمية المنتشرة بشكل كبير في البلاد».

على أحد ممرات المشاة تقعد سيدة يمنية تحاول ترغيب المشترين بصنع محلي (منزلي) يدوي وتحقيق ربح أكبر لم تكشف عن حجمه.

قالت هذه السيدة: «أنا اسمي أم عصام معي شربات (جراب) للأطفال ضد البرد» واستطرد ت تقول: «والله أنا الذي أشتري الخيوط وأقوم بخياطتها بيدي وأبيعها والحمد لله» .. ومن بين أبرز الأسباب الداعية لتنامي ظاهرة البيع في إشارات المرور: التسرب من مراحل التعليم المختلفة بسبب الحاجة والفقر وأحياناً أخرى لعدم الرغبة في إكمال الدراسة.. معظم الباعة توقفوا عن إكمال دراستهم والبعض يحاول التوفيق بين البيع والدراسة.

البائع الشاب معمر ومعه مجموعة قليلة من الباعة يقولون «إننا ندرس ونشتغل».. بينما البائع عبدالله بشير يوضح: «درست إلى ثالث إعدادي بس.

أعداد الأطفال العاملين في إشارات المرور لافتة للأنظار، وتشير آخر إحصائية رسمية إلى أن نحو 400 ألف طفل عامل وعاملة في اليمن، معظمهم في قطاع الزراعة والأسباب لا تختلف كثيراً عن بقية أنواع الأعمال كما ترى منى سالم ،مديرة وحدة عمالة الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وتقول اختصاصية الشؤون الاجتماعية منى سالم لـ «الأيام»: «إن ظاهرة عمالة الأطفال برزت في اليمن مع بداية التسعينات، خاصة بعد حرب الخليج، وعودة الكثير من الأسر إلى اليمن».

واعتبرت من أهم أسباب عمالة الأطفال ثلاثة أسباب رئيسة: الفقر والمشاكل الاجتماعية والمشاكل التعليمية». وسعت الحكومة اليمنية مؤخراً للحد من تزايد مؤشرات هذه الـظاهرة من خلال التوعية والحماية والتشريعات التي تمنع عمل الأطفال قبل السن القانونية أو العمل في وظائف خطرة.

وتقول منى سالم «خلال عامين من العمل تقريباً توصلنا إلى (2179) طفلا عاملا استطعنا أن نوفر لهم الحماية في سوق العمل بتحويلهم من أعمال خطرة إلى أعمال خفيفة، أو بتخفيف ساعات العمل أو من خلال تحويلهم إلى برامج التدريب المهني، والجزء اليسير منهم أعدناهم إلى مقاعد الدراسة».

ويتساءل بعض المراقبين عن مدى نجاح خطوات السلطات اليمنية في معالجة الأوضاع الاقتصادية بهدف إنهاء هذه الظاهرة، أو على الأقل تقليل عدد الباعة عند إشارات المرور أو في تقاطع الطرق، خاصة الأطفال منهم، في ظل ازدياد مستمر ومرتفع في عدد البطالة البالغة (509) آلاف، بنسبة 5.11% من إجمالي القوى العاملة .. نسبة البطالة بين النساء 2.8 مقابل 5.12 للرجال والبطالة في صفوف المرتبطين بالأعمال الموسمية والمؤقتة والعرضية تصل إلى 1.25% .. ويتزامن ما تقدم ذكره مع قصور واضح في المهارات والقدرات العلمية والفنية في اليمن، حيث بلغت نسبة الأميين من المشتغلين 48%، أي 37% من الذكور و83 % من الإناث. ومن إجمالي العاطلين عن العمل 4.66% هم أميون أو يقرؤون ويكتبون ليس إلا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى