كريتر وحدها وطن..!

> علي سالم اليزيدي

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
للهروب من ضجر النهار المكلاوي الرتيب، وملل الأخبار المكررة على الفضائيات فضلت الاتجاه إلى مصر وقناة مصر وكفى، وما أن ظهرت الصورة حتى أخبرني المذيع بأن هناك نقلاً مباشراً على الهواء من المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، وقال إنهم ينتظرون الرئيس المصري السيد محمد حسني مبارك ليشارك فرحة أبناء محافظة الدقهلية بالاحتفال بالعيد القومي لمحافظتهم ، ومن زار مصر أو عاش بها يعرف الدقهلية، ولكن أن يكون لها عيد قومي فقد شرح هذا صدري وسررت جداً وذهب الضجر وانهمرت الدموع بعدئذ على خدي حينما قالوا إن هذا العيد هو تكريم للشعب البطل منذ مئات السنين الذي هزم الغزو الفرنسي وأسر ملكهم لويس التاسع، ومن ثم وصل الرئيس مبارك وطاف بالأستاذ الرياضي.. حرس قليل وسيارة واحدة وبضعة مراقبين لا حشود لافتة لي، وتقدم شباب ورجال المنصورة وسارت الكرنفالات وتجمع الناس وأنا معهم في المكلا عبر الشاشة.

ولكن لماذ الحديث عن هذا في الدقهلية المصرية بينما أنا من المكلا اليمنية؟ في المساء السابق تحادثت مع صديق ولد في المكلا وتزوج ويعيش في عدن، وطرقنا النسيان المبرمج التدريجي لبعد الأحداث وأسماء مدن وأماكن عظيمة شكلت اتصالاً وطنياً وحضارياً في حياة الشعب على الصعيد الوطني والنضالي والشعبي، وكانت إحدى هذه المحطات هي مدينة (كريتر)، أو كما يحب أبناؤها أن يطلقوا عليها عدن، وتلك الملحمة النضالية والوطنية التي خلدت في حياة وسكان وتاريخ هذه المدينة البطلة يوم 20 يونيو 1967م ، وبعد أسبوعين على هزيمة 5 يونيو 1967م، والعرب في انكسار، تأتي كريتر المدينة والناس والمناضلون والشهداء لتعلن للعالم أجمع عودة العرب إلى تصدر الأحداث ، وتظل هذه المدينة بالذات في كل الوطن العربي وعلي مدى 14 يوماً كاملاً تحت سيطرة الثورة والفدائيين الأبطال العدنيين وصمدت هذه المدينة (كريتر) وعجز الإنجليز عن العودة إليها وحظيت باهتمام العالم وتصدرت أخبار وكالات الانباء في أوروبا والدول العربية والآسيوية واحتلت واجهات الصحف في لندن، بون ، روما، باريس، الصين، موسكو، الأمم المتحدة، دمشق، صنعاء، والقاهرة وشغلت كل المثقفين والسياسيين في العالم، وهبطت معنويات القادة والجنود الانجليز في باقي عدن والمحميات إلى الصفر، وعادت للأمة العربية يومها - قبل معركة الكرامة بالأردن بأشهر- المعنوية وعزز هذا من مكانة الزعيم جمال عبدالناصر، في الانتعاش وإعادة البناء العسكري، وارتفعت عزيمة الثوار في عدن ودخلت (كريتر) التاريخ كأول مدينة يقاتل بها الحضرمي، والحوشبي، والشرجبي، والشرعبي، واليافعي وأبناء العقارب والعوالق ودثينة، وبرز أثناءها من القادة الفدائيين سالمين، والحاج صالح باقيس وعلي البيض وسقط فيها يومئذ من الشهداء عبدالنبي مدرم وعلي سالم يافعي وخالد هندي، وقدم سكان عدن للثوار من كل التنظيمات آنذاك خبز البراوطة والرز البرياني واللحوم وفتحوا كلهم بيوتهم ، ولم يسجل حادث سطو على متجر أو بيت أو سيارة فقد كانت المهمة نبيلة.

وكتب السير همفري تريفليان آخر مندوب بريطاني في عدن 1967م: لقد عجزنا عن دخول كريتر، سيطر العرب الفدائيون على المعسكرات والمدينة 14 يوماً، وأصبحنا أمام الرأى العام البريطاني في وضع لا نحسد عليه. وبعد محاولات وخسائر تتمكن فرقة من الأرجيل البريطاني من دخول المدينة بصعوبة، ولكن بعد أن تركها الثوار، وقالت الصحف البريطانية: عدن تحترق ولا أحد يستطيع دخولها. وكتبت الصحف المصرية: الإنجليز خارج كريتر ينظرون فقط! ومازلنا نردد تعليقات صوت العرب مع أننا كنا طلاباً صغار السن آنذاك، ناهيك عن من عايشها، وقال عنها الفنان الكبير محمد سعد عبدالله رحمه الله في أغنية خلد فيها نضال وبطولة هذه المدينة: قائد الجيش البريطاني مسكين ارتبش، يوم 20 الأغر ضيع صوابه إلخ، وقلت لصديقي إنها ذكرى مدينة وكل العالم يحتفي، فلماذا نحن نتجاهل يوم 20 يونيو 1967م، عيد كريتر، التي وحدت المقاتلين اليمنيين والعرب مبكراً، وكانت وحدها يومئذ، وطنا، وكرامة، وعروبة.

أصابني الأسى والحزن ما بين هذه الدقهلية الحاضرة وما بين عدن الغائبة، أليس من حق المدن أن تزهو، هذه الشحر وذكرى المقاومة الوطنية للغزو البرتغالي وشهداؤها لماذا نسيناها ومحوناها من ذاكرتنا! هذه صنعاء والحصار وكل الوطن هناك أين ذكراها! والمقاومة من أجل الجمهورية في صرواح والشهيد المصري سند علامة وضاءة لا تخفت .. آمل من أبناء كريتر عدم الانتظار والسعي لإنصاف مدينتهم ولو في منتدى صغير ولكن الدوي سيكون أكبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى