الناس والزحف والمعيشة

> علي عمر الهيج

>
علي عمر الهيج
علي عمر الهيج
هؤلاء الناس طيبون جداً .. يذهبون صباحاً إلى أعمالهم ومرافقهم مخترقين الصعاب والعقبات والأرصفة ابتغاء لتحقيق مدخولات حياتية كريمة تقيهم وعائلاتهم مرارات التسول وسخونة المعيشة التي ضربت الرقم القياسي في علوها، وأضحت المسافة بين دخل الفرد واحتياجاته مسافة شاسعة وبعيدة فاختل التوازن في نسق المعيشة ليتحمل الفرد بعدها أعباء وضغوطات معيشية غاية في المرارة.

هذه الشريحة الواسعة من الموظفين والعاملين انتظرت بفارغ الصبر أن تتحقق لها الأمنيات والطموحات المشروعة، كانوا يتوقعون أن تعمل الجهات المسؤولة على تعزيز مدخلوات الناس وتفعيل عمل الجمعيات السكنية للمساعدة في حل بعض مشاكل السكن ومعالجة قضايا الفقر والمرض والبطالة وإثراء المرافق ومؤسسات الدولة بالتأهيل العلمي والعملي واستحداث فروع جديدة تستوعب في أحضانها فرصاً جديدة وفاعلة لشباب وشابات كثر، والعمل على دعمهم وتحفيزهم ودعم المنشآت الناجحة بدلاً من الهجوم الوحشي والزحف المستمر على الموظفين ومحاولة تطفيشهم وإرسالهم إلى قارعة الطريق.

لم يظن الناس يوماً أن ترتكن كل تلك الأمنيات زمناً طويلاً ليتفرد بعض القياديين والمسؤولين بمسؤولياتهم المريضة ليسرحوا ويمرحوا في صلب صلاحياتهم محققين التطفيش والعزلة والطائفية، وتدمير مطالب الناس ومطاردة قوتهم والانجراف إلى «خصخصة كل شيء»، وتركيز منابع الثروة تجاه الأركان المظلمـة وبعيدا عن قضايا ومصالح الناس.

الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية كانت الوظيفة -وما زالت -مصدراً رئيسياً لمعيشتهم، فهم وبحكم طبيعة الأنظمة السابقة لم يخوضوا ميادين التجارة والأعمال الحرة.

حتى مع افتتاح عهد توزيع البقع والأراضي للسكن والتجارة لم ينل الكثير من هؤلاء سوى سند صغير كتب عليه : «عزيزي المواطن لقد استلمنا طلبك وسوف نشعرك حينما تتم عملية التوزيع».

ومع مرور الأيام تبخرت أحلامهم فلم ينالوا لا بلح الشام ولا عنب اليمن، فيما البقع والأراضي «تهدر هدير» ويتقاسمها «حمران العيون»، وتيوس المعارك في عز النهار.

هؤلاء البسطاء يرون اليوم في وظيفتهم هذه مصدراً رئيسياً لحماية أسرهم وعائلاتهم، فعمليات البيع والشراء والخصخصة والمتاجرة بالمؤسسات تضر بالعشرات وستذهب بهم إلى الشارع.

ما نريد قوله أخيراً هو أنه لا ينبغي مطاردة هذه الشريحة في مصدر عيشها، وترك الناس يعيشون فيما تبقى لهم من العمر بشرف وكرامة ابتغاء لهدف إنساني نبيل يصب في حماية أطفالهم وعائلاتهم من عاصفة المعيشة وسخونتها المتـعـسرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى