استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب

> كوفي عنان

>
كوفي عنان
كوفي عنان
يوافق اليوم (10 مارس) مضي عام على مصرع 192 من الأبرياء بطريقة وحشية في الهجوم الإرهابي على قطارات الركاب في مدريد، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية وقع آلاف آخرون ضحايا للإرهاب في جميع أنحاء العالم ، فالإرهاب تهديد موجه إلى جميع الدول والشعوب. وكان ذلك اعتداء أيضاً على القيم الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة: سيادة القانون، وحقوق الإنسان وحماية المدنيين، والاحترام المتبادل فيما بين الناس من مختلف الأديان والثقافات، وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية. ومن ثم فإن الأمم المتحدة يجب أن تقف في طليعة مكافحة الإرهاب، وما نحتاجه هو استراتيجية شاملة قائمة على المبادئ، يمكن للعالم بأسره أن يؤيدها وأن يقوم بتنفيذها، وهذا هو ما أقترحه الآن تحت عناوين خمسة أسميها «العناصر الخمسة». فأولاً، يجب علينا أن نقنع الجماعات الساخطة بالعدول عن اتخاذ الإرهاب كأسلوب لتحقيق أهدافها، إن تلك الجماعات تختار الإرهاب ظناً منها أنه وسيلة فعالة، وأنه سيكتسب لها التأييد الشعبي. وتلك المعتقدات هي «الأسباب الجذرية» الحقيقية للإرهاب، ومهمتنا هي إثبات أنها مخطئة. لقد طال الأمد على وهن السلطة الأدبية للأمم المتحدة بفعل المناقشات المطولة التي تدور حول تعريف الإرهاب - وهل يمكن اتهام الدول بممارسته شأنها في ذلك شأن الكيانات التي ليست من الدول، وهل يشمل أعمال المقاومة التي تمارس ضد الاحتلال الأجنبي. وقد حان الوقت لوضع حد لتلك المجادلات فالقانون يحظر بالفعل تعمد استعمال الدول للقوة ضد المدنيين. والحق في المقاومة لا يمكن أن يشمل الحق في تعمد قتل المدنيين أو تشويههم. فلنعلن بوضوح أن كل عمل هو عمل إرهابي إذا كان القصد منه هو التسبب في قتل المدنيين أو غير المقاتلين أو إصابتهم بأذى بدني جسيم بغرض إرهاب السكان، أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على فعل شيء أو الامتناع عن فعله، وسيكون من شأن تعريف كهذا أن تكون له قوة أدبية عظيمة. وإنني أحث جميع زعماء العالم على الوقوف صفاً واحداً وراءه. ثانياً: يجب أن نحرم الإرهابيين من وسائل تنفيذ هجماتهم، ويعني ذلك أن نجعل من الصعب عليهم السفر أو تلقي الدعم المالي أو الحصول على مواد نووية أو إشعاعية. إن الارهاب النووي لا يزال يعامل على أنه ضرب من الخيال العلمي، وأتمنى لو أنه كان كذلك ولكن من سوء الحظ أننا نعيش في عالم يحتوي على مواد خطيرة كثيرة ودراية فنية وفيرة، فيما ينعقد عزم بعض الإرهابيين علانية على إيقاع إصابات على نطاق فاجع. ولقد اتخذ كل من مجموعة من البلدان الثمانية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خطوات للتخلص من المواد الخطرة، وفرض ضوابط تصدير ذات فعالية، وسد الثغرات في نظام عدم الانتشار النووي. والمبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار للرئيس بوش تمثل خطوة هامة أخرى، ويجب تعزيز هذه التدابير تعزيزاً تماماً. والعنصر الثالث الذي أراه هو إثناء الدول عن دعم الجماعات الإرهابية. لقد قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مراراً في الماضي بتطبيق جزاءات على الدول التي تؤوي إرهابيين أو تقدم لهم المساعدة. ويجب المحافظة على هذه السياسة الحازمة وتقويتها وعلى جميع الدول أن تدرك أنها إذا قامت بأي نوع من الدعم للإرهابين فإن العالم سيتخذ ضدها تدابير بالغة الصرامة. رابعاًَ: يجب علينا تطوير قدرات الدول على منع الإرهاب. إن الإرهابيين يستغلون الدول الضعيفة باتخاذها ملاذات لهم يختبئون فيها من القبض عليهم ويمارسون فيها التدريب وتجنيد الأتباع، ولذلك فإن تعزيز قدرات الدول وجعلها أكثر إحساساً بالمسئولية أمر يجب أن يشكل جزءاً رئيسياً من جهودنا العالمية لمكافحة الإرهاب، وهذا يعني تشجيع الإدارة الرشيدة وسيادة القانون، مع توفر قوات الشرطة وقوات الأمن المحترفة التي تراعي احترام حقوق الإنسان. وليس هناك أبلغ من الإرهاب البيولوجي للتدليل على الحاجة إلى ذلك، فسرعان ما ستقوم آلاف من المختبرات في جميع أنحاء العالم تتمتع بالقدرة على إنتاح متعضيات مجهرية محورة ذات قدرة رهيبة على الإهلاك. ويمكن نشر الأمراض المعدية القاتلة عبر العالم - عن قصد أو عن غير قصد - في غضون أيام. وأحسن دفاع لاتقاء هذا الخطر هو تقوية نظم الصحة العامة، ولا سيما في البلدان الفقيرة التي تشكو فيها تلك النظم من النقص في معظم الأحيان. وتقوم منظمة الصحة العالمية بعمل رائع في مراقبة تفشي الأمراض القاتلة ومكافحاتها. ولكن إذا تفشى المرض بأبعاد فادحة- لأسباب طبييعة أو من صنع الإنسان- فإن نظم الصحة العامة على الصعيد المحلي ستكون في الخط الأمامي. ونحن بحاجة إلي مبادرة رئيسية للنهوض بتلك النظم. وأخيراً، وليس آخراً بكل تأكيد فإن العنصر الخامس الذي أراه هو حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون. إن الإرهاب يكشل اعتداء مباشراً على هاتين القيمتين الرئيسيتين. ولذلك علينا أن نضحي بهما في تصدينا للإرهاب. وإذا فعلنا، فإننا سنهدي النصر للإرهابين. والتمسك بحقوق الإنسان لا يتمشى فقط مع تطبيق استراتيجية ناجحة لمكافحة الإرهاب وإنما هو عنصر جوهري منها. إنني أطلب من جميع إدارات الأمم المتحدة ووكالاتها أن تؤدي دورها في تنفيذ هذه الاستراتيجية. على أن الدول الأعضاء في الأمم هي التي يجب أن تنهض بالعبء الثقيل في هذا الشأن. وإنني أحثها على اعتماد استراتيجية ذات العناصر الخمسة وأن تتعاون على تطبيقها. ذلك هو أقل ما ندين به لضحايا الإرهاب في جميع أنحاء العالم. وباسمهم، لنبذل كل جهد في استطاعتنا من أجل إنقاذ الآخرين من التعرض لنفس مصيرهم.
هذا المقال مأخوذ من خطاب الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخ 10 مارس الموجه إلى مؤتمر القمة الدولي المعني بالديمقراطية والإرهاب والأمن، المعقود في مدريد، إسبانيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى