انتهى وقت اللعب بالمفاهيم والزمن

> أحمد عمر بن فريد

> يبو أن العيب الأكبر في كيفية تعاطي العقل السياسي العربي الرسمي مع الأحداث الجسام، إنه غالباً ما يحاول بتعمد واضح وضع النقاط على غير حروفها الأصلية، لتظهر بالنتيجة، عبارات لا يمكن فهمها، ولا يمكن الاستدلال من مضمونها إلا على أمرين اثنين لا ثالث لهما.

الأول يقول إن منتجها يريد ويهدف من كل ذلك، إضاعة الوقت واللعب بعقارب الزمن كما هي عادته في أغلب الأحيان، والثاني يفيد بأن مثل هذا التعاطي السطحي مع الحدث إنما يؤكد على أن المسؤول العربي لا يزال يستخف بإمكانيات الفهم لدى القارئ العربي في حين أجزم أن حيثيات مثل هذا الاعتقاد قد ولت وغابت.

المشكلة السورية- اللبنانية، تضع أمامنا مثالاً واضحاً لكيفية التعاطي العربي الرسمي للأحداث، وتبين إلى حد بعيد ما يملكه المعنيون بالقرار السياسي من قدرات كبيرة على لي ذراع الحقيقة وإخراجها من إطارها الحقيقي إلى فضاءات واسعة جداً، لتتوه مفاصلها الرئيسية في تفاصيلها الهلامية فيكثر اللغط ويكثر الهرج والمرج في غير صالح الأمة.

بدايةً دعونا نذكر فقط أن الانفجار الهائل الذي هزّ بيروت يوم 14/2 وأحرق ومزق جسد أكبر رأس سياسي لبناني وهو الشهيد الحريري إنما هو ذروة التصعيد في الأزمة السياسية اللبنانية التي تدحرجت ككرة الثلج مع قرار (سوريا) وليس (لبنان) التمديد للرئيس لحود .. إذن فنحن نقف أمام حدث سياسي خطير، تم تفجيره من دمشق وليس من بيروت حتى إذا ما أعدنا قراءة العبارات ووضعنا فوقها الحروف السليمة، نجد أنفسنا بكل تأكيد أمام قراءة حقيقية مخالفة تماماً لتلك العبارات المضللة التي ينتجها لنا المسؤول العربي الرسمي حالياً سواء في سوريا أو في لبنان والتي تقول بلغة استهلكها الزمن وأصبح يتقيأ منها الإنسان العربي، إن الصهيونية وعملاء أمريكا هم المخططون لكل هذا الجرم وهم المنفذون له، وهم الذين سيدخلون البلدين في فتن وحروب أهلية لا محالة!!في يقين العقل السليم .. إن انفجار بيروت المفجع ما كان له أن يكون لولا تدخل الأخ العربي الكبير في الشؤون الخاصة جداً لشقيقه العربي الصغير، وهو الذي حدث وتم أمام أعين جميع خلق الله في مشارق الأرض ومغاربها وبطريقة تتناقض تماماً مع ما تستوجبه أبسط قواعد الدبلوماسية التي تحاول عملياً التخفيف من كم الضغوط الدولية التي كانت ولازالت تمارس ضد سوريا الشقيقة.

إذن.. ووفقاً لهذا الفهم العربي الغريب، على اللبنانيين جميعا إمّا أن يقبلوا بكل هذا الضيم والتدخل السياسي في الشأن الخاص، وإما أن يرفضوا ذلك ليعتبروا وفقاً لتلك القراءة العربية العتيقة، من عملاء الصهيونية وأمركيا، ومن الداعين لعودة اتفاق 17 أيار المشؤوم!..أولم يقل أحدهم هذا الكلام بالأمس القريب جداً؟

المؤسف في الأمر أن مثل هذ المرض قد انتقل عن طريق العدوى من فكر الفاعل السياسي العربي إلى فكر المرجع الديني العربي أيضاً، بدليل أننا شاهدنا على الفضائيات المرجع الشيعي الكبير في لبنان محمد حسين فضل الله يصرح بعبارات مماثلة تفيد بأن وزيرة الخارجية الأمريكية (بتصريحاتها) تحاول أن تدخل لبنان في (فوضى أمنية)!! ولست أدري والله أية فوضى يمكن أن تكون أكبر من ذلك الانفجار الكبير الذي أودى بحياة رئيس وزراء دولة سابق بلبنان؟ وأي أمن يتحدث عنه مولانا الشيخ ونحن نشاهد (القطط الضالة) في شوارع بيروت تقوم بدور أجهزة الأمن، فتكشف جثث الضحايا بعد 17 يوم من الانفجار وفقاً لامكانياتها المتواضعة، وأي استقرار وأمان كانت تشهده بيروت على صعيد مسرحها السياسي بالذات، وقد شهدت محاولة جدية لاغتيال النائب اللبناني المعارض مروان حمادة قبل أن تشهد أبشع جريمة في تاريخها الحديث باغتيال الحريري.

برأيي المتواضع .. إن الزمن قد حان للمسؤول العربي الرسمي أن يقلب الكتاب الذي يقرؤه دائما بطريقة خاطئة، وذلك حتى تستقيم أمامه الأسطر بكلماتها ومعانيها الحقيقية، وأن يعتمد لغة أكثر وضوحاً في مخاطبة ذهنية المواطن العربي الذي لم يعد من الممكن بعد اليوم استغباؤه كما كان يحدث سابقاً وعلى أن يتم ذلك بدون محاولة التلاعب بعقارب الزمن لأنها بدأت تسير في غير صالح بعض أنظمتنا العربية المتخشبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى