كاد المعلم أن يكون قتــيلاً !

> سعد أحمد حسن السوائي

>
سعد أحمد حسن السوائي
سعد أحمد حسن السوائي
اتسمت علاقة الطالب بمعلمه منذ زمن بعيد بالمثالية الفريدة، واعتبرت من أنبل العلاقات الإنسانية، أما اليوم فعلاقة المدرس بطلابه في المدرسة أضحت في الحضيض، فمهما صرخ في وجوه تلاميذه لتهدئة ضجيجهم داخل الفصل لا يعيرونه اهتماماً، وإذا حاول معاقبة أي طالب لكي يجعله عبرة للآخرين، أخذ الطالب يصرخ في وجه أستاذه رافضاً قبول أي عقوبة وإذا ما أصر الأستاذ على تنفيذ كلامه لا يجد الطالب أي مانع من الاعتداء على معلمه أمام مرأى ومسمع من تلاميذ الفصل، وإذا ضبط أعصابه داخل الفصل فلنش يتوانى عن إطلاق العنان لها في ساحة المدرسة أو الشارع العام، فيرد اعتباره بيده أو بواسطة عصابته خارج المدرسة فيلقى الأستاذ من تلميذه ما لم يلقه من أبويه طوال حياته.

وهكذا ينقلب الدور، فبدل أن يقوم الأستاذ بتربية الطالب يأخذ الطالب زمام المبادرة ويقدم على تربية الأستاذ بنفسه! ومن هنا يتضح جلياً مدى اتساع الفجوة في علاقة الطالب بالمعلم، وتصدع ذلك الصرح الشامخ الذي كان يعد في يوم من الأيام مثلاً لأرقى العلاقات الإنسانية.

وإذا ما تمعنّا في أسباب ذلك الانحدار الأخلاقي في علاقة الطالب بالمعلم سنجد أن هناك ثلاثة شركاء في صنع هذه الظاهرة الغريبة الجديدة على مجتمعنا، أولهم الأسرة التي أهملت تربية أبنائها وتعويدهم على فضيلة الاحترام للآخرين، خصوصاً من له فضل عليهم ومنفعة تنالهم منه، أما الشريك الثاني فهو إدارة المدرسة التي لم تضع حداً لتلك التصرفات الشاذة من بعض الطلاب تجاه معلميهم، فتقف موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، ولو أخذت على يد الطالب وأنزلت به أقصى العقوبات لكان ذلك خير رادع له ولغيره من الطلاب، الذين يسيئون معاملة أساتذتهم بالكلام أو الفعل، ونصل إلى الطرف الثالث الذي يشارك في تدهور العلاقة بين الطالب ومعلمه، وقد تصاب بالدهشة عزيزي القارئ ، إذا عرفت أنه المعلم نفسه، فهو من سمح أو كان أحد الأسباب في انحطاط مستوى العلاقة بينه وبين تلميذه حتى وصلت إلى تلك الصورة المفزعة، ويمكن تحديد مسئولية المعلم عن ذلك المستوى من العلاقة من خلال ثلاث صور، نراها تتكرر أمامنا دائماً. الأولى عندما يكون الأستاذ متواضعاً في مستواه العلمي غير قادر على تطوير قدراته العلمية واستعراضها أمام طلابه لبناء شخصية قوية له أمامهم، وهذه حقيقة ثابتة عايشناها كثيراً أيام الدراسة، فالمعلم الذي يتمتع بقوة معرفية عالية يصعب التطاول عليه، ويقابله طلابه بالتقدير والاحترام داخل الفصل وخارجه حتى الشواذ منهم، فهم أشد خضوعاً له، أما المعلم ضعيف المعرفة فيكون محط سخرية من طلابه ولا يضعون له أي اعتبار.

والصورة الثانية التي يشارك من خلالها المعلم في تحطيم شخصيته أمام تلميذه هي تدني مستوى أخلاق المعلم نفسه، فعندما يهبط بألفاظه وتصرفاته إلى مستوى العامة أمام طلابه هنا يسهل اختراق شخصيته من قبل شواذ الطلاب، فيخاطبونه كصديق طائش، الكلمة بالكلمة والفعل بالفعل، لذا وجب على المعلم أن يترفع بأخلاقه وينتقي ألفاظه وتصرفاته أمام طلابه بالشكل الذي يجعل من شخصيته برجاً حصيناً يصعب اختراقه.

أما الصورة الثالثة التي تشارك في تراجع هيبة المعلم فهي تقاعس المعلمين في التفاعل مع قضايا بعضهم البعض، فعندما يتعرض مدرس للإهانة من قبل تلميذه لا يتحرك الآخرون للمطالبة برد اعتبار زميلهم والاعتصام معه حتى يأخذ حقه ممن سلبه عن طريق إدارة المدرسة، التي تتخاطب مع ولي أمر الطالب وتقتص للمعلم من الطالب المسيء بالشكل الذي يعيد له هيبته أمام الآخرين. وبهذه الطرق نستطيع أن نعيد هيبة المعلم إلى ما كانت عليه من سمو ورفعة في الماضي، حيث كانت مهنة التعليم من أقدس المهن التي يتعامل معها الناس بإجلال واحترام، فيبعث ذلك الاعتزاز في نفس المعلم والشعور بالأهمية، مما يدفعه للإخلاص في علمه فتتأثر العملية التعليمية بشكل إيجابي وتخرج أجيالا سليمة معرفياً وصحيحة أخلاقياً. وعلى العكس من ذلك، إذا سحقت شخصية المعلم وزالت هيبته فلن يستطيع تقديم أي شيء مفيد للأجيال المتعلمة مادام جهده يقابل بالإهانة والاعتداء عليه، وقد يصل الأمر إلى حد القتل من أحوج الناس إليه وأقربهم منفعة منه. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أعطى للمعلم حقه حين أوصى به الأجيال بقوله:

قم للمعلم وفّه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

ولو استفاق شوقي من موته في زماننا هذا لوجد حال أجيالنا يقول:

قم للمعلم وفّه (التلبيجا)

كاد المعلم أن يكون (قتيلاً)

فبين ضغوط مسؤوليات الحياة ونكران الجميل، يكتوي المعلم بنار الموت كل يوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى