> مدينة المكلا، حاضرة حضرموت، لم تعد تلك المدينة الهادئة التي يغلفها السكون وخاصة مع قدوم ساعات الليل، فقد تخلت عن كل ذلك منذ قرابة الشهرين وتحول نهارها وليلها إلى صخب وعمل متواصل، وازدحام تتطاير معه ذرات غبار الأتربة بفعل الأعمال الجاري تنفيذها في كل جزء من المدينة استعداداً وتحضيراً لاحتضان يوم الفرح اليماني المنتظر عيد الرحدة اليمنية المباركة في الثاني والعشرين من مايو المجيد في ذكراه الخامسة عشرة التي تنفرد «المكلا» عاصمة حضرموت باحتضانه للمرة الأولى تنفيذاً لقرار فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، حفظه الله، مكرمةً وتقديراً منه لحضرموت ولدورها الريادي وإسهاماتها البارزة في عملية البناء والتنمية التي شهدها ويشهدها الوطن منذ انبلاج عهد الوحدة اليمنية المباركة في العام 90م.

الآليات والمعدات الثقيلة والخفيفة من غرافات ودكاكات وبوكلينات وفراشات الإسفلت واللنشات وسيارات النقل بأنواعها المختلفة، وغيرها من الآليات تنتشر في مدينة المكلا بشكل لم يسبق لها أن شهدته على مدى تاريخها، تصاحبها عمالة كبيرة تقوم بتنفيذ عدد كبير من المشاريع، التي تستهدف تأهيل بنيتها التحتية في مختلف المجالات وتهيئتها لاحتضان فعاليات العيد الوطني الخامس عشر واستقبال ضيوفها الكرام من الدول الشقيقة والصديقة بثوب قشيب وبمظهر لائق يعكسان ما تكتنزه من موروث حضاري وتاريخي عريق وحاضر مزدهر ويعكسان ما شهده الوطن ويشهده من نهوض وتطور ونماء.


تحدي الأقوياء
الإصرار والتحدي والصبر وعزيمة الرجال المخلصين في ميادين العمل المختلفة هي السمة البارزة والواضحة على الوجوه، وهي أول ما لمسناه خلال جولتنا الليلية في العديد من مواقع العمل في مدينة المكلا وما حولها، وحببنا أن تنفرد صحيفة «الأىام» الغراء بهذه التغطية الاستطلاعية الليلية لتقدم للقراء الأعزاء الصورة الكاملة لما يتم تنفيذه من مشاريع ومدى ما يقدم من جهود مضنية في سباق مع الزمن وتسابق جميل لتقديم الأفضل لمدينة المكلا الجميلة من أهلها وأبناء الوطن من مختلف المحافظات.

جولتنا بدأت عندالساعة السابعة مساءاً وقررت برفقة زميلي المصور أن يكون كورنيش الشاعر الراحل حسين المحضار هو الانطلاقة، وهناك كانت البوكلينات تؤدي عملها في حماية الكورنيش من الأمواج ورص الأحجار بتناسق، وعلمنا من المهندس المشرف أنه وبدءاً من يوم أمس الثلاثاء سيبدأ العمل ليلاً في الأعمال الإنشائية للكورنيش البالغة كلفتها الإجمالية «مليار وأربعمئة مليون ريال»، بتمويل حكومي، ليحتوي على متنزهات وحدائق ومواقع للعائلات ومرافق سياحية، وسيتم إنشاء نافورة بحرية مضيئة بطول 60 متراً قبالة الكورنيش، الذي تنفذه مؤسسة «بارجن» .

وانتقلنا بعد ذلك إلى الطريق المحادية للكورنيش صوب مدينة المكلا، حيث تقوم الغرافات والبوكلينات بتفتيت الصخور الجبلية، فيما تقوم القريدرات بتسوية الطريق في المساحة المتبقية من أصل 14 كيلومتر تمتد من مدخل منطقة خلف وحتى منطقة جول مسحة على خطين مزدوجين مع التشجير والإنارة وتنفذه شركة «بن جريبه والمخزوم»، وفي الطريق استوقنا مشهد العمال الذين ينفذون بناء جدار ساند ملاصق لخط خلف المحادي للجبل بهدف إقامة خط بحري في عملية توسعة للطريق، وشملت الشارع الممتد من موقع محطة الكهرباء وحتى مصنع المكلا لتعليب الاسماك، وبينما كنا نستعد للرحيل من منطقة خلف صوب مدينة المكلا سألنا الأخ علي طالب بن جريبه، المدير العام لشركة بن جريبه المتواجد في موقع التنفيذ عن سير العمل فأجاب : مثلما تشاهدون.. العمل يسير بوتيرة عالية وسينجز في وقته المحدد، إن شاء الله. ونشكر صحيفة «الأىام» لتواجدها ومواكبتها لما يعتمل من حراك في حضرموت وخاصة المكلا.


أنوار الديجتال تسطع في سماء المدينة
وفي قلب مدينة المكلا لمحنا عمال الإنارة يرفعون الأعمدة الجديدة في الجزء الثاني بالقرب من مسجد الروضة، وقد أشرقت الأنوار في كورنيش المكلا القديمة وأخذت أشكال المصابيح المغطاة على الأعمدة القصيرة شكلاً جميلاً وبديعاً توزع إضاءة منوعة في وسط العمود بشكل حبيبات صغيرة، فتوجهت إلى أحد العمال وعرفته بطبيعة مهمتي فدلني على رجل يقف مراقباً يوجه العمال بكيفية تركيب الأعمدة، فذهبت إليه وعرفته بنفسي، فقال: أنا المهندس عبدالناصر عبدالوارث العواضي المنفذ والمشرف على تنفيذ الإنارة في أحياء المدينة الداخلية حتى منطقة الغويزي شرقاً والقصر الجمهوري غرباً. فطلبت منه لمحة بسيطة عن الإنارة فرد بالقول: «أولا هذه الإنارة المضاءة - يقصد إنارة الكورنيش - هي إنارة حديثة تم تركيبها في مدينة عدن وهي على فكرة لا توجد في العديد من دول الجوار وتعمل بالنظام الرقمي «الديجتال» وراعينا مسألة تناسقها مع طريقة بناء الكورنيش، لذلك تجدها تختلف عن الأعمدة التي نقوم بتركيبها الآن وسط الشارع الرئيسي، وكذلك الإنارة المركبة في جسر المكلا بطابع آخر. فقاطعته: ولماذا لا تكون بشكل واحد؟ فقال: يا أخي نحن نبحث عن اللمسة الجمالية حتى تكون الفائدة من هذه الأعمال كبيرة ومن أجل ذلك سنقوم بتركيب إنارة للشوارع الداخلية للمكلا القديمة تختلف كلياً عن هذه الإنارة التي تشاهدونها الآن وستكون الإضاءة فيها كلاسيكية وتضفي على المكلا جوا شاعريا، وتتناسب مع خصوصية المكان بمبانيه القديمة ذات الطابع المعماري المميز، ويبلغ عدد أعمدة الإنارة التي ستركب في مدينة المكلا داخلياً حوالي أربعمئة عمود بأشكال مختلفة من غير الشوارع الأخرى في مدخلي المكلا شرقاً وغرباً وكورنيش المكلا الجديد، وبجانب الإنارة الجديدة تم تركيب مصابيح الزينة المضيئة بشكل فرائحي أضفى على شوارع المدينة لمسة جمالية متناسقة.


خورالمكلا يتلهف لاحتضان مياه البحر
في مشروع خورالمكلا الذي تتعدد الأعمال المنفذة فيه بوتيرة عالية تنتصب كشافات الإضاءة الكبيرة التي أحالت الموقع المركزة عليه إلى نهار. يقوم المهندسون والعمال بأعمال التخشيب الخاصة بجسر المشاة المقابل لمسجد الجامع بالشرج بعد أن انتهوا من تركيب وصب قواعد الجسر الأول في منطقة غارلحمر، وعلى الجانب الآخر تلتهم الغرافات الأتربة من الجسر المقابل لمدرسة سمية لربطه بالجدران القائمة جنوب وشمال الخور، وترتفع أصوات الآليات والسيارات التي تقوم بنقل التربة إلى مواقع أخرى، في حين ينفذ آخرون أعمال الصبيات والبناء للبوفيات المطلة على جانبي الخور، حيث تمت عملية رصف المساحات المطلة على الخور بالبلاط الملون وبطريقة الضغط من دون استخدام مادة الإسمنت، وقد تشكل البلاط بطريقة جميلة إلى جانب البدء في عملية التشجير وأعمال أخرى أصبح معها خور المكلا الذي تقوم مجموعة العمودي اليمنية بتنفيذه بتمويل محلي يتلهف شوقاً لاحتضان مياه بحر العرب الصافية، وهو من أهم المشاريع التي يتم تنفيذها في مدينة المكلا وحضرموت عموماً.


توسعة الطرق وتزيين الشوارع
جاء قرار السلطة المحلية بإزالة الأكشاك من الشوارع وإزالة الأحواش من أمام البيوت والمواقع المطلة على الشوارع الرئيسية، ففي المنطقة الممتدة من جسر المكلا باتجاه غار لحمر حتى مدرسة سمية، تم إزالة جميع الأحواش والأبنية الزائدة المستحدثة على الشارع المطل على الخور، وهذه الخطوة التي تجاوب معها الجميع جعلت من الشارع أكثر اتساعا وعلى خطين متوازيين بعد عمليات التوسعة الجارية فيه من قبل مؤسسة بن مالك للتجارة والمقاولات، بالإضافة إلى إنشاء جولة بتصميم رائع ستنفذ قريباً، كذلك توسع الشارع المؤدي من الغرفة التجارية حتى مسجد الجامع بعد تنفيذ أعمال الإزالة التي أظهرت الشارعين في تناسق رائع مع خورالمكلا.

وفي الطريق الممتد من منطقة حلة يتواصل العمل مع عملية التوسعة الجديدة وتوسعة المنطقة الممتدة من أربعين شقة حتى جسر المكلا، حيث انتهت مؤسسة بارشيد من الكثير من الأعمال فيها وينفذ المقاول أبومسكة المساحة الممتدة من أربعين شقة حتى مشارف منطقة رامبيخة، وكذلك تم استحداث طريق يمتد من موقع فرزة المطار سابقاً ماراً خلف الغويزي من الجهة الشرقية ويشارف العمل فيه على الانتهاء من قبل مؤسسة بارشيد.


ساحات الاحتفالات
في ساحة الاحتفالات حيث العمل لا يتوقف ليل نهار، تنفذ المشاريع العسكرية والمؤسسة الاقتصادية اليمنية مكوناتها بكلفة 250 مليون وتحتوي على منصة للضيوف وساحة عامة وحدائق وساحات تشجير ومجسم جمالي، وكذلك تم شق ثلاثة مداخل رئيسية لها من الخط المؤدي إلى منطقة ابن سيناء وتنفذه شركة بن جريبه التي تنفذ أيضا المرحلة الثانية من كورنيش المكلا الجديد، وتقوم مؤسسة بن سويدان بعملية التشجير في الكورنيش وخط المكلا - فوه إلى جانب تبليط وطلاء الجزر الوسطى الواقعة بين خطي الطريق.

ويتم تنفيذ حديقة مركز الفنان الدكتور أبوبكر بلفقيه وتحتوي على مسرح مفتوح وحدائق ومكتبة عامة لمدينة المكلا وساحات تشجير ويتسع المسرح لخمسة آلاف متفرج.


لمسات جمالية
إلى جانب المشاريع التي تم تنفيذها في مدينة المكلا شاهدنا مجموعة من الشباب يقومون بتنفيذ عدد من المجسمات الجمالية في جولات المدينة، حيث يتم تنفيذ مجسم (الهاشمية) بالمكلا بعد إزالة مجسم الدلة وإعادة تصميم سقاية الهاشمية، يعني العودة إلى الجذور وتخليد للتراث، ويضاف هذا المجسم إلى مجسم سدة المكلا أحد معالم المدينة، وهناك مجمسات عديدة يتم العمل فيها على قدم وساق.

ولإظهار المكلا بالمظهر الجميل تنفذ أيضا أعمال تلبيس البيوت المطلة على الشوارع الرئيسية وطلائها باللون الأبيض الذي أصبح هو الغالب على منظر المدينة اليوم.

واكتفينا في جولتنا الليلية في مدينة المكلا بهذه المشاريع الجاري تنفيذها حالياً، والتي حولت ليل المكلا الهادئ إلى حراك متواصل وعمل دؤوب .