أيام الأيام : ما بين هلال والمكلا سر غامض وانكشف

> علي سالم اليزيدي

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
فاجأني ضيفي الكريم أثناء زيارة العمرانيين السعوديين للمكلا، حيث قال لي ونحن نقف وسط المدينة بعد مرورنا بفوه ومناطق الديس وساحل خلف، إن المكلا تشهد انقلاباً حقيقياً، ضحكت وعلقت ببضع كلمات إلاّ أن الرجل لم يترك لي الحديث، فقد أمسك بالبداية والوسط والنهاية وقال مرة أخرى وهو يلقي بنظره على أطراف الطريق: إعادة بناء الطرق جميعها عمل عظيم ويشكل إصراراً على قدر من الأهمية، هناك فكر سياسي يرافقه تخطيط وبرنامج ساخن لا يتوقف.

وجاءت هذه الكلمات شهادة لشخص لا يسكن المكلا، بل التقط المتغيرات التي تحدث بإحساس يفصح عن نظرة المهندس العمراني، وبلاغة تفسر المعاني بصدق.

أما الرأي الثاني فقد أبداه لي أستاذ بكلية الهندسة جامعة حضرموت، حينما توقفنا وإياه باكراً أمام التوسعات .. قال لي: هذه حالة هندسية نادرة، إنه إصرار وجهاد. وأضاف: توقعاتي أن موضوع إعادة تاهيل وصناعة المكلا خلال الأشهر الثلاثة نجح من الآن، لو أجل الأمر لعام قادم لظهرت تفاسير وأفكار بعيدة، وتسرب الكسل ومثلما يقول المثل سيكثر الطباخون وعندها سيفسد اللحم والمرق وطست المرق أيضاً، ولحظة أن دخل إلى المطبخ فقط طباخ ماهر واحد، فاحت رائحة المرق اللذيذة بالبهارات والثوم والفلفل، وهو يستعد لتقديم هديته إلى المكلا التي أخفى سـرها الغـامض مـا بين الضلـوع يوماً ما..!

إننا نشاهد هذا الماهر يعد كل شيء بانضباط وحذر وسهر، وحوله جوقة العمل التي لا تكل، أولئك الناشطون الذين لا يتوانون عن خدمة ما تفصح عنه حالة الانقلاب الظاهرة في جسد المدينة .. كل شيء أصبح بادياً للعيان، لم يخف شيء، العمليات تدار أمام أنظار الحاضر والغائب المبارك والساكت، الحقائق وأوراقها تقول إن كل الإمكانيات، المقدرات ، الكفاءات والمهارات في مصلحة التغيير نحو إعادة التأهيل والتحسين والتوسيع والتنظيم وبناء المكلا الجديدة، وكل هذه الحلقات تمضي في خطوة واحدة لا تتقدم ولا تتوقف، هنا الخطأ وهنا الصواب، ومن يمسك بالفتيل عليه أن يكتم النفس، والركض يهلك صاحبه والتوقف يقضي على الحراك ويصيب بالخمول، والانزلاق أخطر من الاثنين .. وكيف البصر؟ وهنا تظهر المقدرة حينما يكون العقل المفكر بحجم الحدث وحسن التدبير وقرار لا يعرف إلاّ الجسارة ذات الوجه الواقعي والعاطفي دون إفراط .. إنها الجرعات، التروي والتحكم والتقدير أمام الوقائع، ماذا نريد اليوم؟ هذا اليوم، وكل الزمن محسوب بالدقائق والساعات، لم تعد المساحة المتوفرة حالياً تتسع للانتظار، تغيرت ساعة الجدار وساعة الميدان وساعة اليد، هناك ساعة واحدة تعمل بالدقائق فقط، وفي معصم كل رجل في الميدان ساعة من هذا الصنف.

والجميع الآن في المكلا بلباس الميدان أولهم صاحب السر الذي كان غامضاً وانكشف، الأستاذ المحافظ عبدالقادر علي هلال الذي يستعد لتقديم هدية المكلا، لهذا فهو يشاهد بعد الفجر مع عمال خور المكلا ويتناول الفطور مع مهندسي منصة الحفل على ساحل حلة، ويقضي وقتا يدحرج الصخور بالشرج ويتوسط العمال هنا وهناك، رجل أراد مواجهة التحدي ليس للمغامرة والمراهنات مثل أفلام الأكشن، إنها مسؤولية الوطن ورسالة ثقيلة وبها بصمة كل المناضلين وشهداء اليمن، وهي لكل هذه الأسباب لا تتركه يهدأ لحظة أو يغمض لكل من في الخندق بجانبه جفن عين، وعندئذ يكون ضياع الدقيقة الواحدة بحجم يوم من الزمن.

والرجل قد احتفظ سراً بإعجابه وعشقه للمكلا بين ضلوعه، وظل يمنحها بهدوء في غفلة منا قليلاً قليلاً من حنان القلب .. كنا نشاهد هذا ونسكت حتى لا ينكشف دفعة واحدة، ويوم جاءه الزمن بهدية لم يعد بالإمكان إخفاء ما كان، فالعالم كله والوطن كله ينتظر ما قالوا «إن بين هلال والمكلا سر (كان) غامض بس انكشف».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى