لمصلحة من ؟ ولماذا الآن بالتحديد ؟ دق المسمار الاخير في نعش ميناء عدن جيبوتي سخرت ومبتهجة بضريبة (رسوم الخدمات الصحية والطبية) الجديدة التي تصل الى 600 دولار على كل باخرة تزور عدن

> لطفي شطارة

>
لطفي شطارة
لطفي شطارة
الذين افتوا للدولة باستبدال (كامبات) صنعت من حديد عوضا عن تلك التي كانت مصنوعة من الخرسانة وظلت شامخة لسنوات طوال على شوارع عدن تتحدى الاجواء وظروف التعرية الطبيعية ، وهي المدينة التي يأكلها ( الدحل) بسبب الملوحة والرطوبة والحرارة الشديدة التي تميز الطقس في هذه المدينة ، يدركون جيدا ان هذه "الكامبات" التي قد اصاب الصدى "البولتات" التي تربط هذه الاعمدة بقاعدة صغيرة من الخرسانة لن تعمر طويلا ، ويدركون ايضا انهم سوف يمنحون الشركة المنفذة (للكامبات الحديدية الجديدة) بعد اعوام قلائل عقودا جديدة لتنفيذ "مشروع اعادة بناء الكامبات (المدحلة )" ، التي ستصبح متآكلة ومائلة وخطرة على المارة .

مصدرو(فتاوى الكامبات) هم في اعتقادي من قدم فتاويهم للدولة ايضا بمنح شركات (نص كوم) وغير مؤهلة لتنفيذ مشاريع الطرقات في هذه المدينة التي اصبحت طرقها "الجديدة والمتعرجة" ترمم الآن بعد مرور عام من تشييدها وياريتها لم تشيد حتى لا تحسب الخسارة مرتين ، واصبحت هذه الطرقات تقطع الآن على طريقة (الفوفل الملبس) في الصحن قبل قرطستها وارسالها للبيع ، وتقطيع الطرقات وترقيعها وبهذه الطريقة وبعد مرور فترة وجيزة على سفلتتها تنم عن استهتار سافر بأموال الشعب ، هذا الاستهتار حول خزائن الدولة الى حنفيات لا تنضب من اموال سبيل تنهب بهذه الطريقة وبصلافة ، في دولة 50 بالمائة من موطنيها يعيشون تحت خط الفقر واكثر من 40 في المائة من السكان عاطلون عن العمل يئنون تحت وطأة معيشة صعبة سببها مثل هذا الاهدار الفاضح للمال العام في مشاريع تحولت الى استنزاف مستمر للاموال .

ومثل هذه الفتاوى التي تجيز مشاريع لا تستفيد منها في هذه البلاد الا القلة التي لم تسمع عن شيء اسمه (صانونة الهواء)، تساعد على زيادة معدلات الفقر بين السكان كان الاجدر بـ"عقلاء" الدولة تسخيرها للاستفادة منها في مشاريع تعود بالنفع على المحتاجين للدواء والغذاء ، مشاريع تساعد على الحد من انتشار السموم التي تدخل بطوننا مع كل ما تبتلعه افواهنا من أكل وشراب وتحتوي على كميات مفرطة من المواد المسرطنة .

المفتون والمشرعون الذين يرسمون مخارج للدولة للانفاق غير المبرر، او للبحث عن مصادر جديدة للتحصيل الضريبي ، يصيبون مصالح البلاد في مقتل، ويؤكدون بالكثير من تشريعاتهم غير المدروسة ان الهوة ماتزال واسعة بين اقوال الحكومة وافعالها ، وان كان بعضها يدمر ما تبقى من سمعتها خارجيا ، ويتذكر كل متابع كيف اجبرت الدولة على وضع مبلغ 50 مليون دولار (عربون) لدى بنك (اتش اس بي سي لصالح شركات التأمين الملاحية للتعويض الفوري في حال لم تلب الدولة الاحتياجات الامنية لحماية موانئها من اية عمليات ارهابية ، وبعد جهد جهيد عادت السفن العابرة لاستخدام ميناء عدن كميناء محوري لتقديم الخدمات للسفن الزائرة للتزود بالوقود ، وهي السفن التي اعتقدت ان الارهاب بدأ يتلاشى وان الامور الامنية قد تحسنت وأن عدن وميناءها على اعتاب مرحلة جديدة من التاريخ يعيد ذلك المجد الغابر للاثنين معا واقصد الميناء والمدينة ، حتى تبينت النوايا وانكشف قناع جديد من اقنعة الابتزاز ، وتحول الارهاب الذي بدأ ينحسر الى قرصنة منظمة شرع لها اناس لا علاقة لهم بالتجارة الا جباية المال ، ولا يعرفون من الاقتصاد الا تدمير اساساته ، اناس ومفتون اعتقدوا ان الوطنية هي تكريس مقصود للاساءة الى سمعة الدولة بنوايا طيبة او عكس ذلك ، اناس يصرون على وضع المسمار الاخير في نعش ميناء عدن ، الذي ما ينفك يخرج من ازمة نعتقد وبغباء اننا نتنفس الصعداء بعدها ، حتى يدخله رجال ومسؤولون الى ازمة جديدة و بأساليب صناعة رخيصة لسينما (الاكشن) الامريكية التي ترتكز على ممارسات عصابات السطو والقتل وابتداع الحيل كتلك التي جسدها فتى هوليوود الشاب ريكاردو ديكابريو في فيلمهcatch me if you can) ) او (امسك بي ان كنت تستطيع) ، الذي يروي قصة شاب وسيم دوخ اعتى بوليس في العالم (اف بي آي) بالاساليب التي يبتكرها لتنفيذ خدعه ويرواغ ويكذب من اجل اشباع رغباته وتأكيد قدرته في التفوق على الآخرين من خلال ممارسات قائمة الحيل واستغباء الآخرين .

ومن اساليب اشباه ديكابريو في اليمن تصر اطراف في الحكومة على دق المسمار الاخير في نعش ميناء عدن الذي اصبح واضحا انه هدف سيركع (حلال والا حرام) حتى لا تقوم له اية قائمة ، والسؤال المحير لصالح من يصر مسؤولون في الدولة على تفعيل رسوم جديدة على جميع السفن التجارية واليخوت السياحية التي تزور ميناء عدن للاستفادة من خدماته ، وهذه الرسوم التي تصل الى 600 دولار وردت تحت اسم ( رسوم الخدمات الصحية والطبية) سيتم تحصيلها وتبدأ من 200 دولار لتصل الى 600 دولار حسب وزن وحمولة السفينة الزائرة للميناء ، ورغم مرور اكثر من اربعة اعوام على صدور القانون ، وبعد ان انحسرت موجة الغضب عن ميناء عدن في العالم بفعل الاعمال الارهابية التي دفع ثمنها باهظا ، ورغم (الحوسة) التي وضعت الدولة نفسها في كيفية الخروج من ازمة ارساء المناقصة لادارة وتشغيل محطة عدن للحاويات ، نفض بعض المسؤولين الغبار عن هذا القانون وعلى طريقة المثل القائل ( لما يفلس البينيان يقلب دفاتره) ، وهذا ما قام به البعض عندما ذهبوا للمطالبة بسرعة تنفيذ هذه المادة التي تنص على (قرصنة) واضحة وضعها وشرعها اناس لا يريدون للبلاد خيرا ، واقولها وبصريح العبارة اناس لا يفكرون لا في كيفية الاساءة لهذه البلاد وتعريض سمعتها ومصالح ابنائها الا لمزيد من التدمير .

هذه الرسوم وضعت ضمن المادة 33 من قانون السلطة المحلية رقم 4 لسنة 2000 ، وبشكل لا يراعي حتى أبسط اسس التنافس البحري في العالم ، التي تبين ان جميع الموانئ في المنطقة لا تحصل مثل هذه الضريبة باستثناء جيبوتي التي تفرض رسوما كهذه لا تزيد عن 30 دولارا ، السؤال لماذا ؟ ولمصلحة من يتم فرض هذه الرسوم الاضافية على السفن الزائرة والعابرة للاستفادة من خدمات ميناء عدن؟ ولماذا الاصرار على فرض (جباية) جديدة في الوقت الذي يفترض (لكل من لديه عقل بشري وليس شيطانيا ، ولكل من يفكر بمنطق الامور وليس عكسها) ان تلغي الدولة رسوما قائمة لتقليل التكلفة على السفن العابرة ، وتشجيعها على الاستفادة من مثل هذه المزايا التنافسية بدلا من اجبارها على تغيير وجهتها وترك ميناء عدن الى الموانئ القريبة للحصول على ما تريده من خدمات وبدون فرض اية رسوم اضافية .

ما يجري لميناء عدن اليوم لهو أمر خطير جدا لا ينبغي السكوت عنه ، فأين ممثلو الشعب ، واين ابناء هذه المدينة من اعضاء البرلمان الذين يفترض ان يدافعوا تحت قبته عن مصالح ابنائها الذين انتخبوهم ليكونوا صوتهم العالي في مجلس كهذا ، وإذا ما تم تطبيق مثل هذه (الجباية) ولاسيما في ميناء عدن الذي يتميز عن باقي الموانئ بأنه ميناء خدماتي ومركز لوجستي لإعادة شحن البضائع إلى الدول المجاورة فسيكون بمتابة المسمار الاخير في نعش هذا الميناء المصاب بالشلل وبفعل فاعل .

ويكفي أن صديقا عندما سأل احد موظفي ميناء جيبوتي عما اذا كان الميناء يقوم بجباية مثل هذه الرسوم أو لا وبنفس المبلغ المذكور .. "ضحك كثيرا وقال دعهم يطبقوا فهذا لمصلحة جيبوتي". وقد طرح السؤال هل هذا الإجراء يعتبر طبيعيا في الموانئ ؟ والإجابة طبعا "لا" سيما وانه لن تكون هناك خدمة تقدمها السلطة المحلية مقابل هذه الجباية. أما الموانئ التي تجبي رسوما ذات علاقة بالجانب الصحي فتعتمد على خدمة تقدمها وفي كثير من الأحيان بحسب طلب السفينة (أي اختيارية) .

ولكن ما ينوي المجلس المحلي جبايته يعد "حرفنة" حتى وان كان ذلك قد تم وضعه بغلاف قانوني ، والقانون الذي يضر بالمصلحة العامة يجب رفضه والغاؤه . وربما يتساءل البعض كيف أقر هذا القانون؟ وهل اطلعت وزارة النقل والموانئ المعنية على هذه الأمور؟وهل تم دراسة الآثار المترتبة على هذا الاجراء؟

أما إذا قيل بأنه قد تم تطبيق هذا القانون في المكلا والحديدة (بس بتعديل) ولم يحدث شيء، نقول بلى فالمواطن هو الذي سيتحمل هذه الكلفة الاضافية ، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على ميناء عـدن، لماذا ؟ لان السفينة ستسترد المبلغ من التاجر/المواطن في المكلا والحديدة ، لكن في ميناء عدن وعند زيارة سفن نقل الحاويات والسفن التي تزور الميناء بغرض التمون بالوقود والمياه والخدمات الأخرى - كيف يمكن للسفينة أن تسترد هذا المبلغ وزيارتها ليست لها علاقة بالتاجر اليمني (نشاط ترانزيت وخدمات) !!! هذا يعني بأنها ستضطر لاستعادة هذا المبلغ من مالك البضاعة غير اليمني - نقول من جيبوتي !!! ترى هل يعتقد الفطاحلة ودهاة الاقتصاد في بلادنا ان التاجر الجيبوتي سيقبل ان يتحمل تكاليف اضافية علشان عيون المجلس المحلي في اليمن ، ونذكر بهذا الخصوص بأن توقف نشاط الحاويات في ميناء عدن إبّان حادثة الناقلة الفرنسية ليمبورج كان بسبب التأمين على السفن الذي يجب ان تستعيده من التجار .. وقلنا ان البضاعة انما هي للموانئ المجاورة الذين قالوا طز باليمن شوفوا ميناء ثاني ليش نتحمل مشاكلهم .

لماذا لم تقف وزارة النقل ضد تطبيق هذا القانون المضر على الموانئ ؟

لماذا لم تقف الغرفة الملاحية والتجارية ضد تنفيذ هذا القرار؟ لماذا لم يقف الميناء وادراته ضد هذا القرار؟ وأين مشروع تطوير مدن الموانئ الذي تنفذه الامم المتحدة من هذا كله؟.. اليس مشروع هذه المنظمة الدولية يطمح لأن تصبح مدينة عدن مدينة تنافس المدن المجاورة تجاريا عبر مينائها الشهير؟! وهل مثل هذه السياسات العشوائية وغير المدروسة ستوصلهم الى الهدف المنشود .. اقولها كلمة بأنه إذا لم يتم توفير بيئة عمل مشجعة ومنافسة للميناء ، فلن تكون هناك عـدن ولن تكون هناك منطقة حـرة، بل ستكون هناك مقبرة حرة لأحلام يصنعها رجال دولة ومسؤولون يدغدغون العواطف بالشعارات ويذبحون الاحلام بالممارسات النقيضة .

والله من وراء القصد.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى