والشمس تحزن قبل النفس .. أحياناً

> علي عبدالكريم

>
المرحوم أحمد عراسي
المرحوم أحمد عراسي
إيه أحمد.. أيها العراسي أحمد ..فارقتنا.. الموت حق نعم، أضفت إلى عذاباتنا بُعداً جديد، أنت الذي وهبت ربيع الأشياء عنفوان صدقها في محرابك القانون، وجعلت من الصمت البديع لغة للصدق في زمن الكلام المباح برخص التراب الرخيص في مزابل الأسواق النتنة والقواميس الجوفاء.. رحلت زمن العذابات وكان رحيلك يسوعياً جعلت فيه أحباءك يمرون طريق العذاب الأليم لفراقك المفاجئ، وجعلت من معابر ذهابك وإيابك مشاهد من مدينة القدس يرحل اليها الأنقياء يطهرون الأرض من دنس البلادة والخواء، رحيلك جعلنا نقول مع الشعراء:

الربيع يبدو فاقداً للحياة

متباطئاً..

مذهولاً ..

وهو يقترب ..

له .. فقد رحلت عنا ونحن على عتبات مدخله حتى وإن كانت أيامنا لا تفرق بين الفصول، فكلّ سواء خواء، كنت العلامة بين الكلام الرصين وحشو الكلام الرنين، جمعت الفراغات بين الصفوف ولملمت ما بدد الآخرون، وأعليت شأن الذين أضافوا إلى قافلة الحرف همزة الوصل وياء التحية وفاء الوفاء.

إيه .. أحمد لك المجد والراحة الأبدية، لك الماء والحوض وضوء الشمس، وتساؤل عن غيابك من ثنايا الوجود، القمر وأنت الذي في آخر أيامنا البائسات وفدت إلينا من الزمن قبيل جمعتين.. وفدت كالبدر باسماً تحيي الجميع في مقيل العزيز بدر ناجي، وكنت ضياءً أحس الجميع بوهج قدومه وحسن مقدمه، وكنت إشارة ضوء من قمر تجلى بدت ثنايا سعادته على محيّا الجميع، وكان نصيبي أن أتحفتني بقايا ما لنا من زمن أن يكون جواري إلى جوار القمر العراسي أحمد، فيا لها من من مفارقة، أن تكون مجاوراً لهذا النبيل العزيز المسمى العراسي أحمد، ويا محنة الكون من هولها صاعقة، تفاجئك الأيام بأن الزمان قصير، وأن الأحبة يرحلون تباعاً، تخبرك الليالي بثقب من بقايا كلام تحشرج في الأوردة .. لك الحزن يا من عرفت النبيل العراسي أحمد، إحزن عليه فأنت حزين على روح ضحوك رمّلت فينا بقايا الفرح، فنحن الذين عاشوا معك قد عايشوا فيك صدق الضمير، ولهم في صورة الفجر الذي وشحت أطرافه بنُبل الخلق ونُبل التواضع .. إنهم في الصورة كانوا معك.

ماذا تبقى إذن؟! الذكريات، الزمان، الوطن، الله حق يعيد المياه إلى مقطع الدم إن جف حزناً وريد التواصل بين الأحبة في موسم الشعر، تتلى قصائده في ساحة العدل ومحراب القوانين، التي ما فارقت هاماتها وعنفوان أن تبسط الحق للباحثين عن وجوه للعدالة لم تستقم، وكان العراسي أحمد للعدل ومحراب القوانين ذاك الذي عنه تبحث الأعين التي من كثر الظلم ترى في واحته راحة وواحة للأمان.

هل مات أحمد.. نعم.. فالموت حق، وباق لنا من العراسي أحمد أن نصدق القول ونحيي الضمير في محرابه للعدل، للباحثين عن ضمير إلى جوار صدقه وبجواره بجدون الملاذ.

إيه أحمد.. ماذا أقول بعد الرحيل.. أقول كما قالت الشعراء: «نحن الشعراء في شبابنا نبدأ بالحزن ومنه في النهاية يأتي اليأس فالجنون .. ستالين كان عنده نزيف في المخ».

تماماً كاللحظة التي رحلت عنا فيها وأنت تتوق لملاقاة من تودهم .. لك المجد والراحة الأبدية، فقد رحلت عن واقع بالجنون يفيض إلى الحد الذي يجن فيه أكثر العقلاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى