حديث الحوار.. وآخر أيام البقّار

> علي سالم اليزيدي

> هي الأيام الأخيرة في موسم البقّار، وليس كذلك فحسب، إذ أن وجوده وتدفقه على الأسواق انخفض عن الربيع الفائت وتتراجع بهجة إقباله عاماً بعد عام، وأصبحت عملية البحث عنه تتصف بالمشقة والعناء.

فالشواطئ والقشار الذي ينبت ويكبر فيه البقار لم تعد قريبة من منازلنا، ذهب البحر بعيداً عنا وطمست كل القشار التي تنتج البقار والحدبية، وحتى الحيفول اختفى من سيف البحر، وأصبحت عملية جلب البقار تتطلب الذهاب إلى بئر علي ومشرمة وميفع وبتكلفة أكبر، ناهيك عن انقراض الباعة وتدهور الوضع البقاري بكامله، وينمو هذا البقار في فترة محددة وفي أسراب متحدة لا تتفكك ولا تتآمر على بعضها مثل الأحزاب السياسية، فهي تصمد أمام قوة الموج، ومع هذا فهي غذاء للروابع والبياض من الأسماك وللصغير والكبير من بنى الإنسان.

وحينما تجلس أمام البائعات الطيبات الصبورات الفقيرات، اللاتي يقضين الساعات الطوال في جلد وهدوء، والكلمة الزّينة أمام المستهترين من الناس وثقيلي الظل وخبيثي الصفات، فإن هذا سرعان ما يظهر أمامك صورة بليغة لمعاناة الفقراء ونقاوة قلوبهم، وتحديهم الساخر لتصاعد الأسعار، ودعوات الإصلاح للمجتمع من بوابة الحكومة، وفقاقيع الحوار التي تتطاير في هذه اللحظة، وكأنما نحن نشهد إعادة بناء للدولة .. هؤلاء الفقراء الذين يكدحون حقاً في صراع حقيقي ضد شراهة الشراء والعبثية المفرطة للمفسدين والمتنفذين، ومعصادة السياسة المكررة ما بين دعوات الحوار الغريبة واتهامات إشعال الحرائق وتهجم الحزب الحاكم ونفي أحزاب المشترك، يقف هؤلاء الفقراء الطيبون باعة البقار في المكلا أو العشار والشتني في عدن وجعار، أو بائعات الخبز في تعز وباب اليمن، صفاً نقياً يفضح كل الدعوات الحوارية من أقصى اليسار إلى الوسط ثم اليمين المعتدل والمنزلق .. هؤلاء الباعة معجزة تفضح كذب كل أدعياء التجارة السياسية في الحكم أو تحت باب السلطان.

تدهور الوضع البقّاري لا ينقذه إلا عودة الوضع الحقيقي للبحار، وهذا مستحيل، ووضع السياسية لا يختلف كثيراً، من يدعو إلى الحوار؟ إننا أمام قصة لا تنتهي.. أيهما نمسك.. الدعوة للحوار السياسي، أم الاتجاه للإصلاح حسب برنامج الحكومة القائمة حالياً؟ وها نحن نسمع آراء ومقترحات ومناداة من بحر الوفاق الوطني أولاً إلى حكومة وطنية، إلى حديث عن إشراك واسع للكفاءات، وهناك طرف ثالث ربما لا هو من طرف الحزب الحاكم ولا من جنس أحزاب المشترك وتوابعه، وهو صاحب التجارة السياسية والحزب .. فمادامت هناك دعوة جديدة، يعني أن هناك انتعاشا، وهي فرصة للبيع والشراء وإطلاق المصطلحات والعناوين وتوزيع التصريحات، هؤلاء النفعيون وأشباههم لا يهمهم ما هو عنوان الحوار وإلى أين يفضي، ومع هذا، كثيرا ما نسمع من دعوات حوارية قفزت وفندها البعض بموضوعية وعقلانية بعيداً عن نوايا الحزب الحاكم، وما القصد إلا إزالة بعض الضغوطات المحلية والإقليمية، وربما هي لعبة سياسية يريد البعض تكييفها لصالحه ليس إلا.

هي محنة البقار نفسها وصعوبة البحث عنه، فالحوار مع من؟ وكيف نبدؤه!

نحن نتحدث عن الديمقراطية ولا نشاهد منها إلا واجهة الصحافة فقط مع الاحتجاز والحبس والتحذير! والمشهد عدد من الأحزاب الصغيرة المتشابهة والمتوالدة من بعضها، صف مع الحكومة والآخر شبه مقابل للمواسم، والحديث عن المرأة والبرلمان فاكهة الساعة! وصحف تهاجم المشترك وتكيل الاتهامات، وصحف تدافع عن نفسها بقدر الإمكان، مال سائب يبعثر على الكلام، وشحة لحد الجفاف لدى الآخر، سلطة تطلب الحوار وهي تحكم، وتوجس من الآخرين، وكلاهما - الأحزاب السياسية والوضع البقاري - في أزمة واحدة يفرق بينهما صفاء ضمير بائع البقار وكيد السياسي المكار.. لا غير!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى