الضريبة العامة على المبيعات .. بين طروحتي الحكومة وقطاع الأعمال تاهت الحقيقة!.....قراءة ثالثة نحو البحث عن الحقيقة والحل انطلاقاً من قاعدة لا ضرر ولا ضرار

> «الأيام» د. محمد عمر باناجه :

> مدخل: الضرائب من منظور المالية العامة تعد من بين أهم الموارد المالية للموازنة العامة للدولة والتي من خلالها تستطيع تغطية نفقاتها، أما من منظور الاقتصاد الكلي، فهي إحدى الأدوات الاقتصادية التي تستخدم لتطويع السياسة المالية نحو إيجاد نسق متناغم بينها وبين بقية السياسات النوعية الأخرى (النقدية، التجارية، الاستثمارية، التشغيل ...إلخ) لخدمة تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية العامة التي ترسمها الدولة.

فالضرائب - إذن - كما هي أداة جباية، هي أيضا إحدى أدوات السياسة الاقتصادية، ومدى نجاحها في أداء وظيفتها على أكمل وجه يعتمد على توازن الرؤية حول مفهومها ومرونة استخداماتها بما يلبي تحقيق الاستقرار الاقتصادي والحد من الدورات الاقتصادية (التضخم، والانكماش).

تأسيساً على ذلك يطرح السؤال ما الذي جعل قانون الضريبة العامة على المبيعات يصل إلى مفترق طرق، بعد مرور أكثر من 3 أعوام على إصداره، علما بأنه لم يحظ قانون بذلك القدر من المداولات البرلمانية والتعديلات والتأجيل بالتنفيذ لأكثر من مرة كما حظي به هذا القانون.

ولم يشهد أي إجراء اقتصادي أقدمت عليه الحكومة - أو ستقدم -ذلك القدر من المشاورات والحوار بين أطرافه (مصلحة الضرائب - قطاع الأعمال) كما شهده هذه الإجراء.

إن السبب الرئيس في ذلك يعود - بتقديري- إلى قصور في دور الحكومة أكان في مرحلة الإعداد لمشروع القانون، أو في مرحلة ما بعد إقراره، فالمرحلة الأولى كان ينبغي أن يسبقها إعداد دراسة متكاملة حول أثر الضريبة العامة في المبيعات، ليس من منظور المالية العامة فقط، بل والأهم من ذلك من منظور الاقتصاد الكلي، يليها تعميم الدراسة مع مشروع القانون عبر وسائط أجهزة الإعلام المختلفة (تلفزيون، إذاعة، صحافة) لإثارة الجدل الواسع حولهما على المستويين الرسمي والشعبي لإغنائهما، ومن ثم تقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب بعد أن يكون قد استوعب كافة الملاحظات وأزيلت عنه كافة الشوائب.

بيد أن ما يؤسف له هو أن حكومتنا «الموقرة» و«الرشيدة» مافتئت تدير شؤوننا بالوصاية، اعتقادا منها أن المواطن اليمني لم يفطن بعد لمثل هذه الأمور مما يمكنه من قول الرأي السديد حولها، وهذا عكس ذات السلوك نفسه على مرحلة ما بعد إقرار مشروع القانون، الذي ولد مشوهاً ومسخاً - على حد تعبير أحد الأكاديميين.

وكان من الطبيعي أن ينتج مثل هكذا سلوك في إدارة شؤون الاقتصاد مواقف متضاربة من القانون، لم يقتصرالتعبير عنها في الاختلاف في وجهات النظر بين طرفي العلاقة فحسب، بل أفضت إلى التعبير عن ذاتها، بالمظاهرات التي كادت أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

فما هي فحوى رؤيتي الحكومة وقطاع الأعمال حول الضريبة العامة على المبيعات؟

بقراءة للحجج والأسانيد الكثيرة التي ساقها كل طرف للتعبير عن رؤيته حول الضريبة يمكن إدراك ذلك، وهنا أكتفي بالإشارة إلى أبرزها وأهمها لغرض التحليل.


الحكومة (مصلحة الضرائب)
- الضريبة العامة على المبيعات (ض ع م) ليست عبئاً جديداً، ولكنها ستحل محل ضريبة الإنتاج والاستهلاك.

-(ض ع م) استقامت على قاعدتَي الحيادية والعدالة ولا تستهدف ذوي الدخل المحدود لأن القانون قد أعفى جميع السلع والخدمات الأساسية والضرورية لغذاء المواطن وعلاجه وتعليمه من الخضوع للضريبة العامة على المبيعات.

-المصنع أو التاجر ما هو إلا وسيط لتحصيل الضريبة وعبء الضريبة ينقل عبرهما إلى المستهلك ولن يوجد أثر تراكمي للضريبة على المستهلك.

-(ض ع م) ستعمل على تشجيع الإنتاج والحد من الاستهلاك والاستيراد وتنمية الصادرات الأمر الذي يترتب عليه تحقيق المنتجين لأرباح عالية وبالتالي زيادة حصيلة الدولة من الموارد جراء تحصيل ضرائب الدخل.

-(ض ع م) تلزم المكلف بالتسجيل ومسك السجلات والدفاتر المحاسبية وتحديد فواتير البيع ...إلخ من مستلزمات العمل الاقتصادي المنظم، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق قاعدة بيانات ضرورية ولازمة للإفصاح عن الأوعية الضريبية لبقية الضرائب النوعية (ضرائب الأرباح الصناعية والتجارية، ضرائب الدخل على المرتبات والأجور ...إلخ).


قطاع الأعمال (اتحاد الغرف التجارية والنصاعية)
-(ض ع م) ضريبة إضافية وليست بديلة لضريبة الإنتاج والاستهلاك.

- الضريبة غير حيادية وغير عادلة منحت السلع المستوردة بعض الامتيازات على حساب المنتج المحلي، كما أنها حسب القانون رقم 19 لسنة 2001م لا تأخذ بعين الاعتبار الفواقد الفنية في المواد الخام والمدخلات الأخرى التي يستحيل تجنبها كلية في عملية التصنيع. ولغيرها من الأسباب.

- التاجر ليس وحده المتضرر من الضريبة لأنه سيضيفها على السلعة وبالتالي فإن المستهلك هو المتضرر الأكبر من هذه الضريبة.

- (ض ع م) لا يمكن استخدامها إلا في وضع اقتصادي يتسم بالانتعاش أما في حالة الاقتصاد اليمني فإن (ض ع م) ستعمل على تكريس التباطؤ الاقتصادي وتحوله إلى ركود، الأمر الذي لن يمكن الاقتصاد اليمني من التغلب على ظاهرة التضخم الركودي الذي ظل يتسم بها منذ بدء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي.

- إن إلزام المكلف والمسجل بمسك مجموعة السجلات والدفاتر المحاسبية التي لا نهاية لها لا يأخذ بعين الاعتبارطبيعة التاجر اليمني وخلفيته الثقافية ولا يأخذ بالاعتبار ما يترتب على ذلك من نفقات إضافية باهضة ستنعكس بدون أدنى شك على كلفة إنتاج وبيع السلع والخدمات الأمر الذي سيتجلى بارتفاع أسعار السلع والخدمات المنتجة للسوق المحلي أو للتصدير، وبالتالي عدم قدرتها على المنافسة مما سيفرض على المنتج المحلي في سبيل البقاء خفض أرباحه لرفع مقدرة منتجاته على المنافسة وسيظهر انعكاسات ذلك في صورة انخفاض في حصيلة ضرائب الدخل، عدم القدرة على التوسع في خلق فرص عمل جديدة وتسريح بعض العمالة ...إلخ من النتائج السلبية التأثير على الاقتصاد اليمني.

ذلك نزر يسير من الحجج والأسانيد التي ساقها طرفا الاختلاف حول الضريبة العامة على المبيعات (الحكومة - قطاع الأعمال).

وإذا كانت تلك الحجج والأسانيد فيها شيء من الصحة والمنطقية إلا أن بعضها فيه شيء من المبالغة والتهويل، الأمر الذي جعل كل طرف يتصلب لموقفه وبدا الأمر بعد مرور أكثر من 3 سنوات على صدور القانون وكأن الطرفين يرفضان حتى الوصول إلى قواسم مشتركة في الرؤية والمعالجة للإشكاليات حول الضريبة العامة على المبيعات مما أوصل الموضوع برمته إلى مفترق طرق.

إذن، أين حقيقة الأمر في كل ذلك ؟


أولاً: ما هي الضريبة العامة على المبيعات؟
تعد (ض.ع.م) من الضرائب العامة على الإنفاق (الاستهلاك)، لذلك فهي تدخل في دولابية الضرائب غير المباشرة، ولأنها ضريبة على الاستهلاك فإن من يتحمل عبأها هو المستهلك مثلها مثل ضريبة الإنتاج والاستهلاك النافذة بموجب قانون رقم 70 لسنة 1991م.

بيد أن الاختلاف الأساس بين (ض.ا.س) و(ض.ع..م) هو أن ضريبة الإنتاج والاستهلاك تفرض مرة واحدة عند استيراد السلعة ويتم تحصيلها مع الرسوم الجمركية، بينما الضريبة العامة على المبيعات تفرض عند كل عملية بيع أو تسليم للسلعة أو تقديم الخدمة، بما في ذلك عملية الاستيراد، وما المكلف (المسجل) إلا وسيط يتم عبره نقل عبء الضريبة إلى المستهلك الذي هو أصلا دافع الضريبة (الممول).

وإذا ما تمت عملية نقل عب ء الضريبة إلى المستهلك في كافة دورات التداول بطريقة صحيحة وطبيعية فإنه لن يحدث أثرا تراكميا على الضريبة كمايطرح طرف قطاع الأعمال.

ثانيا: كيف ينقل العبء الضريبي إلى المستهلك؟
- المنتج أو المستورد: يدفع المنتج المحلي الضريبة بواقع 10% مباشرة عندما تتحقق عملية البيع من واقع فاتورة البيع، ويدفع المستورد الضريبة مباشرة عند معاملته لتخليص البضاعة في الميناء وقبل الإفراج الجمركي عنها بواقع 10% من (البضاعة بسعر CIF + الرسوم الجمركية).

- التاجر: يمكنه استرداد الضريبة السابق سدادها للمنتج الصناعي أوالمستورد عند بيع السلعة لتاجر التجزئة أو المستهلك، وذلك بخصمها من الضريبة المستحقة على مبيعاته نظرا لتسجيله وتكليفه بتحصيل الضريبة وتوريدها إلى مصلحة الضرائب.

- المستهلك: يتحمل الضريبة كاملة، حيث يقوم كل من المنتجين والمستوردين والتجار بنقل عبئها إليه.

وجدير بالإشارة أن السلع المنتجة محليا يتم تحصيل الضريبة عليها عندما تتحقق واقعة البيع من المنتج، باعتبار أن سعر السلعة المنتجة محلياً محمل بكل التكاليف بما فيها التكاليف الإدارية والأرباح. بينما السلع المستوردة، يتم تحصيل الضريبة عليها على مرحلتين. الأولى في الميناء (كما سبق شرحه)، والثانية بعد أن تتحقق القيمة الكلية للسلعة وتحمل بالتكاليف الإدارية والأرباح. من هنا فإن المرحلة الثانية تتعلق بتحصيل ذلك الجزء من الضريبة في مرحلة بيع السلعة في السوق المحلي باعتباره الواقعة المنشئة لاستحقاق الضريبة كاملة.

ثالثاً: كيف يتم احتساب الضريبة؟ وما هو أثرها على المستهلك؟
الجدول أدناه يشرح عملية احتساب الضريبة، ويبيّن الطريقة الصحيحة لاحتسابها والطريقة الخطأ. ويظهر الاحتساب فيما إذا كان التاجر مسجلا، وفيما إذا كان غير مسجل، ويبين أثر الضريبة في كل الحالات، كما يجري مقارنة بين الضريبة العامة على المبيعات والضريبة على الإنتاج والاستهلاك بافتراض تخفيض رسوم الجمارك من 10% إلى 5%، وتحديد نسبة 30% كتكاليف إدارية وأرباح.

من تحليل الجدول يمكن الوصول إلى الاستخلاصات التالية:

< في ظل ضريبة الإنتاج والاستهلاك:

- لا يدفع التاجر في مراحل التداول (جملة، تجزئة) ضريبة على هامش الربح.

- لا يدفع المستورد ضريبة على هامش ربحه.

- يتحمل المستهلك الضريبة بواقع 10% من قيمة السلعة عند خضوعها للضريبة في المنفذ الجمركي أي (110 * 10% = 11).

- سترتفع قيمة الضريبة وبالتالي ثمن السلعة إذا احتسبت ضريبة الإنتاج والإستهلاك بواقع 10 % من إجمالي ثمن السلعة عند بيعها للمستهلك، أي بعد إضافة التكاليف الإدارية والأرباح في كل مرحلة من مراحل التداول بواقع 30%.

< في ظل الضريبة العامة على المبيعات:

أ - في حالة أن التاجر غير مسجل

- يدفع المستورد الضريبة العامة على المبيعات بواقع 10% من القيمة الخاضعة للسلع المستوردة (ثمن بسعر CIF + الرسوم الجمركية) * 10% . ثم يدفعها مرة أخرى بواقع 10% على هامش ربحه.

- لا يدفع التاجر غير المسجل ضريبة على هامش ربحه.

- يتحمل المستهلك الضريبة العامة على المبيعات بواقع 10%، وتكون محملة في ثمن بيع السلعة للمستهلك بمقدار 6.13.

- بافتراض (وهذا من الضروري) أن قامت الحكومة بتخفيض الرسوم الجمركية من 10 % إلى 5%، فإن سعر السلعة سيقل عما كان عليه في ضريبة الإنتاج والاستهلاك من 2.200 إلى 1.195. بينما قيمة الضريبة التي يتحملها المستهلك سترتفع من 11 إلى 6.13.

ب - في حالة أن التاجر مسجل، وتم احتساب الضريبة بصورة صحيحة:

- لا يتغير الأمر بالنسبة للمستورد، وتحتسب الضريبة بالطريقة السابقة نفسها في (أ).

- لا يحدث تغير في ثمن بيع السلعة للمستهلك فيما إذا احتسب التاجر التكاليف والأرباح بواقع (30%) على أساس فاتورة البيع من المستورد بدون قيمة الضريبة المستقطعة عليها.

- يدفع التاجر ضريبة على هامش ربحه (القيمة المضافة)، وضريبة القيمة المضافة هي الفارق بين ضريبة السلعة عند قيمتها بسعر البيع للمستهلك وضريبة السلعة عند قيمتها في أول بيع.

- يتحمل المستهلك الضريبة بواقع 10% وبقيمة إجمالية 5.10 + 1.3 = 6.13 أي بزيادة 6.2 عما دفعه من ضريبة في ظل ضريبة الإنتاج والاستهلاك.

ج - في حالة أن التاجر مسجل، وتم احتساب الضريبة بصورة غير صحيحة:

- لا يتغير الأمر بالنسبة للمستورد. وتحتسب الضريبة بالطريقة السابقة نفسها في (أ).

- يرتفع ثمن بيع السلعة للمستهلك فيما إذا لم يتنازل التاجر عن ربحه، أي احتسب التاجر نسبة 30% كتكاليف وأرباح من قيمة فاتورة البيع الصادرة من المستورد شاملة الضريبة المستقطعة عليها.

- ترتفع قيمة الضريبة التي سيتحملها المستهلك من 7.17 إذا كانت طريقة الاحتساب صحيحه إلى 5.19 إذا كانت طريقة الاحتساب غير صحيحة.

- سيتحمل المستهلك الزيادة في قيمة الضريبة 5.19 - 7.17 = 8.1.

مما سبق يتضح أن عدم ارتفاع أسعار السلع والخدمات الخاضعة للضريبة العامة على المبيعات بموجب القانون (19) لسنة 2001، لا يمكن أن يتحقق عند نفاذ القانون إلاّ بشرطين:

أولاً: أن تقوم الحكومة بتقليص عدد الحزم الخاضعة للرسوم الجمركية، وتخفيض معدل الرسوم الجمركية عليها بحيث لا يتجاوز عند أعلاه 5%.

ثانياً: أن يتم احتساب الضريبة العامة على المبيعات بطريقة صحيحة.

الخلاصة
يتفق علماء المالية العامة والاقتصاد على أنه لا توجد ضريبة معينة تعد مثالية، ولا يوجد نظام ضريبي خال من النواقص والقصور. ولكن توجد محاولات تنطلق من دراسة واستيعاب الظروف الاقتصادية والاجتماعية (زمكانياً).

لذلك ينبغي أن تأتي مسألة إصلاح النظام الضريبي في إطار رؤية شاملة لإصلاح كل منظومة الاقتصاد، بحيث نضمن تناغم النظام الضريبي السائد مع متطلبات السياسة الاقتصادية المستهدفة في كل مرحلة من مراحل النمو والتنمية.

ولأن كاهل هذا الشعب قد أثقل بالإجراءات الاقتصادية التجريبية، التي لم تفض إلاّ إلى مزيد من معاناته، فإن الحكومة مدعوة إلى إجراء مزيد من الدراسة العلمية ليتسنى لجموع المستهلكين وقطاع الأعمال معرفة هل ستكون تكلفة الضريبة العامة على المبيعات أقل على الاقتصاد اليمني من تكلفة الضغط على الإنفاق العام؟!.. وهل ستسهم الضريبة في زيادة المدخرات العامة أم أنها ستمتص بواسطة الإنفاق العام الجاري الأقل أهمية؟ فالمطلوب - اليوم - الحوار الموضوعي المسؤول، لمقاربة وجهات النظر حول موضوع الضريبة نحو إيجاد الحل الملائم الذي يستقيم على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، بحيث لا يحيق الضرر بالمستهلكين وقطاع الأعمال، وبالوقت ذاته لا يبخس الدولة حقها، والأهم من ذلك يدفع بالاقتصاد اليمني نحو الحراك والنمو.

كلية الاقتصاد- جامعة عدن

«ورقة عمل قدمت في حلقة النقاش التي نظمتها كلية الاقتصاد حول الضريبة العامة على المبيعات، تمت إعادة صياغتها لتلائم أسلوب المقالة العلمية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى