نجوم عدن .. أحمد قاسم

> فضل النقيب :

>
فضل النقيب
فضل النقيب
كان بزوغ نجم الملحن والمغني الشهير أحمد بن أحمد قاسم في سماء عدن هو التحدي الأبرز للمدرسة الكلاسيكية في الغناء اليمني، التي وصلت ذروتها بالتسجيل على الأسطوانات التي وجدت سوقاً رائجة وآذاناً منصتة وتعاونت مع الإذاعة الوليدة آنذاك عقب الحرب العالمية الثانية ومطلع الخمسينات من القرن الماضي لنشر فن الغناء في المدينة والأرياف عبر أصوات خلدت أسماءها في تاريخ الفن، مثل الشيخ علي أبوبكر باشراحيل وأحمد عوض الجرّاش والقعطبي والعنتري وغيرهم من تلك القامات التي انطفأت أمام المدرسة الجديدة الزاحفة بعد أن أدت رسالتها، أي أمام مدرسة الإبداع في اللحن الجديد تأليفاً وتوزيعاً وتنويعاً، متأثرة بالوافد المتدفق عبر الإذاعات العربية ودور السينما، ومتواكبة مع النمو التجاري للمدينة وقدوم طلانع الخريجين الذين رأوا وعايشوا وتأثروا فعادوا متحمسين للتغيير كما هي سنن الحياة الاجتماعية في التطور والارتقاء إن لم يكبحها كابح أو يقيدها قيد أو يئدها وائد.

أحمد قاسم كان على يسار التجديد إذا صح أن المرشدي وبن سعد وبلفقيه وغيرهم على يمينه، أما حزب الوسط الغنائي فيستقطب قامات أمثال خليل محمد خليل وسالم بامدهف وغيرهما، وللحق فإن الاتجاهات الثلاثة قد أغنت الفن واستقطبت أذواق الجمهور وعبرت عن اتجاهاته وقد تجلى ذلك أيما تجل في حفلات أحمد قاسم والمرشدي، التي كانت أشبه بالمنازلات، وكان التحدي والرهان هو كسب رضا الجمهور.

كان الثنائي أحمد قاسم، لطفي جعفر أمان بمثابة ما نطلق عليه الآن الـ «نيولوك»، في الشعر والموسيقى وحتى في اللبس ولفت الأنظار، فأحمد قاسم يخوض تجربته السينمائىة اليتيمة والفريدة «حبي في القاهرة» ليؤكد الـ «نيولوك» ولا يهم إن كان قد أضاع مدخراته على ذلك، فما عندكم ينفد وما من عند الله باق، وكل المال يفنى ولو كان مال قارون أو مراكب بازرعة، وتراه بوجهه الأبيض المحمر ونظارته الشمسية السوداء وسيارته الأمريكية المفتوحة السقف صورة من صور نجوم هوليود في الزمانات فيما الأصابع تشير إليه، وكان ذلك يكفيه زاداً من هذه الحياة الدنيا التي أخذت منه الكثير وقدّمت له النزر القليل.

ومثل أي مبدع كبير أخذ تلاميذ ومعجبون ومتمصلحون ومطبّلون يحيطون به وكان أكثرهم عبئاً عليه، فقد كان رحمه الله من النوع الذي لا يرحم نفسه، وكانت حياته أغنية موصولة العزف لا تكف الإيقاعات عن إثارتها ليلاً ونهاراً، وهو يتراكض بين الإذاعة والتلفزيون وصناعة الألحان ومجالس الأصدقاء وإطراء بعض الصحفيين ورمْيات البعض الآخر، والحلم المستمر بالنجاح والثراء، والعيش في الواقع على غير الواقع كأنما في الحلم المستحيل الذي يمثل الواقع الافتراضي والحياة الموازية كما في حكايات الخيال العلمي.

عقب الاستقلال جاءت سنوات التعب واللحن المصنوع بدون نَفَس والسّميعة الجدد الذين يتفضلون على المطرب بالسماع، وهم يقولون للمطرب: غن، بعد أن هدموا المثل القديم المعروف، ثم ضاقت لقمة العيش حتى رأيت النجم الكبير اللامع يسير بالشبشب قرفاً وازدراءً للحال وقد حضر ذات يوم إلى الإذاعة وكنت مديرها والمدير العام عمر الجاوي، فسألني عن مزاج الجاوي، قلت وحدوي حتى العظم، فقال :إذاً «وامغرّد»، ولم أفهم المعنى إلا حين استدعاني الجاوي وقال: اصرفوا «للحمنة» كل متخلفاته وأفيضوا أكثر إذا أمكن، ثم همس في أذني أن أحمد قال له إنه يعمل سمفونية انطلاقاً من «وامغرد بوادي الدور» ثم عقب: أنا أعرف أنه لا سمفونية ولا يحزنون، ولكنها الحاجة وسوء الحال.

رحم الله أحمد قاسم وعمر الجاوي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى