حينما يُخنق الحوار بحبال التكتيك غير المتزامن

> أحمد عمر بن فريد :

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
عندما قرأنا دعوة الحزب الحاكم بقية أحزاب المعارضة السياسية للحوار الوطني استبشرنا خيرا حذرا، وقلنا ربما أن صدى كلمات رئيس البنك الدولي الذي زار اليمن خصيصا ليقول لنا حقيقة وضعنا الاقتصادي المخيف والتعيس، قد نبه أصحاب القرار في بلادنا لضرورة التفكير الجدي في الخروج من الأزمة بإجراء حوار وطني جاد، واعتقدنا أيضا أن الظروف الدولية الملحة باتجاه ضرورة البدء الفوري في عملية الإصلاحات الشاملة التي كثر الحديث حولها، كان لها دور مهم أيضا في إطلاق دعوة الحوار تلك.

كان نوعا من الاستبشار الحذر، بأن هناك من بات يفكر بيننا في أهمية الحوار الوطني على أساس أنه استراتيجية وطنية لا بد من الاقتراب من تفاصيلها والخوض في شؤونها بذات القدر الذي تتطلبه من إحساس عميق بالمسؤولية الوطنية، وإدراك أكبر بالموقع الحقيقي الحرج للاقتصاد الوطني، وعلى أساس أن هناك من سئم من عمليات مخادعة الذات عبر مسلسلات مكسيكية لا تنتهي من التحايل والتذاكي والاستغباء المكشوف على قيم الديمقراطية ومفاهيمها التي باتت معروفة ولا يمكن استبدالها بأنصاف الديمقراطيات وأرباعها.

ذلك الاستبشار الحذر، الذي اعتقدت أنه سوف ينهار في نهاية المطاف حينما ينكشف المستور، يخبرنا بلا مفاجآت أنه ما يزال لدينا الكثير من العقليات التي لا تجد فرقا جوهريا ما بين حتمية الاستراتيجية وتفاهة التكتيك، عقليات تخلط بشكل عجيب وغريب ما بين ظروف الزمان والمكان للتكتيك السياسي وظروف الزمان والمكان للاستراتيجية الملحة التي تصنف في مقام (الأولويات الوطنية)، فتقحم التكتيك في مكان الاستراتيجية لتصبح المناورة السياسية الحزبية وسيلة هدم فاعلة للأولوية الوطنية، لينتج لنا في آخر الأمر ما يمكن أن نطلق عليه محقين (لعب عيال).

أشهد بأنني قد تفاجأت من السرعة القصوى لانهيار الحوار الوطني الذي انتهى قبل أن يبدأ، وإن كانت السرعة قياسية وعجيبة فإن الأعجب في كل المسألة هو ذلك التبرير الذي صدر ليوضح للقاصي والداني أنه السبب الوحيد للانهيار، وهو سبب بالمناسبة قد ينسجم مع كل شيء إلا مع أبسط قواعد العمل السياسي، ذلك أن طالب سنة أولى سياسية سيقول للوهلة الأولى من قراءته إن ما ذكر لا علاقة له بمنطق السياسة التي تفسر وتنشأ على أساس المصالح الصرفة لأقطاب اللعبة السياسية، فليت البيان المعلن قد تذرع بسبب آخر ربما في هذه الحالة سيكون من مهامه بكل تأكيد الصمود النسبي أمام الآراء الأخرى المناوئة.

من البديهي جدا أن يتحاور الحزب الحاكم كطرف يحكم البلد بالأغلبية المريحة مع باقي أطراف العمل السياسي في الساحة اليمنية كطرف وحيد، على اعتبار أساس بسيط جدا، وهو أنه هو الذي يحكم البلد، وهو المعني بقبول التغيير، وهو الذي يملك (مفاتيح التغيير) لجميع الأبواب المغلقة، وحواره مع الآخرين يعني التفاوض مع هذه القوى حول فتح هذا الباب أو ذاك، وإلا ما فائدة أن أذهب للحوار مع طرف لا يملك مفتاحا واحدا من المفاتيح المطلوبة؟!

في ظني ويقيني .. أن الإصرار على اتباع أساليب التكتيك في هذا الوضع والوقت الراهن، لن يقود بلادنا للخروج من دائرة الثقب الأسود، وفي ظني أيضا أن من يكابر ويناور ويخلط ما بين الضرورة الوطنية والمناورة السياسية سوف يأتيه اليوم الذي لا يجد فيه حتى الفرصة البسيطة لمجرد القيام بمحاولة استراتيجية أخيرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى