«الأيام» بين يوري أندروبوف ومحمد حسنين هيكل

> نجيب محمد يابلي :

>
يوري اندروبوف
يوري اندروبوف
يشترط مراعاة جملة عوامل إذا ما فكر الشخص، طبيعياً أو اعتبارياً في إخراج صحيفة، ويتصدر تلك العوامل العامل المهني، واذا فقدت الصحيفة ذلك العامل فعلى صاحبها العودة إلى رشده وإلا راوحت صحيفته في مكانها. انطلاقاً من تلك المسلمة رأى العميد محمد علي باشراحيل ومن بعده نجلاه هشام وتمام أن نجاح صحيفتهم «الأيام» مقترن بالالتزام بالمهنية الصرفة التي اقتضت رصد الخبر ونقله إلى الجمهور، باعتبارها وسيلة اتصال جماهيرية MASS MEDIA، وعززت - أي «الأيام»- ذلك بفتح نوافذها على المنظمات، بمختلف وظائفها وأطيافها، إلا أن بعض المسؤولين يغيب عن أذهانهم أن الجانب الخبري له أهميته عند المتلقي، وبحسبة إحصائية نجد أن المتلقي هو رجل الشارع، أي المواطن. هنا أفلحت «الأيام»؛ لأن المواطن قد أصبح زبونها.

إذا كان الإقبال على «الأيام» من القراء الذين يرتادون المكتبات، فإن هناك قراء من نوع آخر، وهم قراء يطّلعون على موقع «الأيام» على الإنترنت، وقد قدمت «الأىام» عرضاً مفصلاً بزوار موقعها على الإنترنت خلال عام 2004م في عددها الصادر في 8 يناير 2005م، حيث توافد أولئك الزوار من 162 دولة، وتسلم موقع الصحيفة أكثر من 29 مليوناً و466 ألفاً و29 طلباً، وبلغ معدل الطلبات في اليوم الواحد 80 ألفاً و288 طلباً.

كانت مثل هذه المؤشرات كفيلة بأن تلزم المسؤولين الغاضبين بالوقوف على أطراف أصابعهم، للبحث عن الأسباب التي ميزت الإقبال على «الأيام» في السوق، وفي موقعها على الإنترنت، كان عليهم أن يعقدوا المفاضلة بين الإمكانات المتاحة لـ «الأيام» والمتاحة لصحفهم. كان عليهم أن يرصدوا حجم الإنفاق على «الأيام» وعلى صحفهم. كان عليهم أن يسألوا أنفسهم: بماذا تتميز «الأيام» عن صحفنا؟ هل لأنها أخذت بحجم التابلوه وصحفنا أخذت بحجم الصحف التي تكفي لستر عورة طاولات الطعام؟ ما مدى انتشار صحف التابلوه على المستوى العربي عامة والدولي خاصة؟ هل لأن «الأىام» صحيفة خبر وصحفنا صحف تعتيم على الخبر؟

غضب المسؤولين يظهر بين حين وآخر، وجاءت المصادفة عندما وقعت بيدي نسخة من كتاب «زيارة جديدة للتاريخ» للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وسبق أن قرأته في ثمانينيات القرن الماضي. يقع الكتاب في 449 صفحة من الحجم الكبير، ووقع الموضوع المعني بهذه المناسبة بين الصحفات 75 و142 وعنوانه (أندروبوف: رجل الأسرار) وهو يوري أندروبوف الذي كان عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوفيتي ورئيس جهاز المخابرات السوفيتية المعروف بالـ K.G.B وأصبح أندروبوف رئيساً للاتحاد السوفيتي بعد وفاة ليونيد بريجنيف. أمام هذا الموضوع الماراثوني عن أندروبوف، الذي يقع في 67 صفحة، رأيت أن أكون عمليا في عرض الموضوع وفق حاجتي التي تنسجم مع دواعي الموضوع عن «الأىام» وموقعها بين الرمزين المذكورين المحددين في عنوان مقالي:

كان محمد حسنين هيكل بحكم اقترابه من عبدالناصر على مقربة أيضاً من شخصيات عربية ودولية كبيرة، ومنها القيادات السوفيتية، وكان يرى في القيادة السوفيتية التي أعقبت خروشوف أنها شخصيات رمادية عابسة الوجوه وليس لها بريق خروشوف، إلا أن الصورة عنده تبدلت والفضل في ذلك يعود لاثنين وهما: د. مراد غالب، السفير المصري المقتدر لدى موسكو، وروبرت فورد، السفير الكندي لدى موسكو أيضاً، الذي كان سفيراً لبلاده لدى مصر وربطته بهيكل صداقة وثيقة.

كان مراد غالب يرى أن هناك وجهين في القيادة ومؤهلين للقيادة في المستقبل خلفاً لبريجنيف وهما: مازاروف وأندروبوف، فيما كان السفير الكندي يرى أن المستقبل لأندروبوف؛ لأن السفير عمل لفترة طويلة سفيراً لبلاده وأصبح عميد السلك في موسكو.

رافق هيكل عبدالناصر في عدة زيارات لموسكو، وأبرزها - لأنها معنية بموضوع أندروبوف - زيارة عبدالناصر لموسكو عام 1968م وكان هيكل رئيساً لتحرير «الاهرام»، وزيارة عام 1970م وكان هيكل وزيراً للإرشاد القومي. حضر هيكل مأدبة غداء في الزيارة الأولى وحضرها أعضاء القيادة السوفيتية بكامل قوام المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي، ومن ضمنهم يوري أندروبوف.

وجد هيكل نفسه مشدوداً وهو يتابع الحديث بين عبدالناصر وبريجنيف وسوسلوف، منظر الحزب، وحدث أن ورد ذكر هيكل في الحديث.قال عبدالناصر لهيكل: كنت أتحدث مع الصديق بريجنيف عن الصحافة وسألني عن «الأهرام» بالتحديد، وكنت أتحدث عن تجربتكم فيه والصديق سوسلوف لديه سؤال يريد أن يوجهه لك.

قال سوسلوف وكوندرياتشيف يترجم: قال لنا الرئيس ناصر إن «الأهرام» مشروع مالي ناجح، وأنا لا أعرف كيف يمكن أن تكون جريدة سياسية جادة مشروعاً مالياً ناجحاً؟ رد هيكل أنه لا يرى تعارضاً بين أن تكون جريدة سياسية جادة وناجحة مالياً في آن واحد، وراح يفصل «إن القارئ الآن يريد الخبر صحيحاً ويريده مستوفى وكاملاً بما يمكنه من تكوين رأيه المستقل في الأحداث وتطوراتها، وبما يسمح له بالحكم حتى على اتجاهات الجريدة التي يقرؤها بنفسه»، وأردف هيكل قائلا: «إن المقال يتراجع في الصحافة الحديثة أمام الخبر، إلا إذا كان المقال بقيمة ما فيه من أفكار ووقائع، أو بقيمة كاتبه. يرقى إلى مستوى أن يكون خبراً في حد ذاته».

رأى سوسلوف أن التركيز على الخبر كمادة أساسية، ما هو إلا بدعة منقولة عن صحافة الغرب الرأسمالي، وتعاظمت دهشة سوسلوف عندما علم من هيكل أن مشروع «الأهرام» الجديد من أحدث وأكبر المشروعات الصحفية في العالم وجرى تمويله بالكامل ذاتياً ولم تدفع الدولة من أجله قرشاً واحداً.

أخطأ سوسلوف وأصاب هيكل الذي أدار حواراً مع أندروبوف في قضايا أخرى وردت في الكتاب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى