مدير عام مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة المهرة لـ «الأيام»:المهرة منطقة أثرية هامة.. والموروث التاريخي والأثري فيها بحاجة لسبر أغواره

> «الأيام» ناصر الساكت:

> المهرة محافظة يمنية غنية بالتراث والموروث الحضاري التاريخي، الذي تبرزه في أروع صوره التاريخية المعالم الأثرية القديمة المكتشفة، والتي يرجع تاريخها إلى مراحل قديمة وفترات حضارية متعددة وعصور قديمة.

والمهرة سميت بهذا الاسم نسبة إلى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن عمر بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ، وهم من العرب القحطانية حسب المصادر التاريخية وأخبار النسابة.

واشتهرت المهرة قديماً بتجارة اللبان «البخور» وكانت محطة هامة على طريق القوافل التجارية، ويصدر منها اللبان والمر والصبر والمنتجات الأخرى إلى المعابد اليمنية القديمة في حضرموت وقتبان ومأرب وإلى خارج الممالك اليمنية آنذاك.

وقد توصلت الأبحاث والدراسات الأثرية الوطنية والأجنبية إلى اكتشاف كثير من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية الهامة في مناطق مختلفة من المهرة، والتي تعود إلى العصر الحجري وتحكي تاريخ حضارات يمنية قديمة موغلة في أعماق التاريخ.

«الأيام» التقت الأخ نهيم حسين سالم، مدير عام مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة المهرة، وأجرت معه هذا الحوار، الذي يكشف للقارئ الكثير من المعلومات التاريخية عن المهرة وأهم معالمها الأثرية والتعرف على نشاط المكتب في حماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها من السطو والطمس والتخريب والاندثار.

بداية .. حبذا لو تعطينا لمحة تعريفية عن المهرة .. الموقع والتاريخ؟

- مصدر تسمية المهرة بهذا الاسم يرجع الى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وإليهم تنسب الإبل المهرية ويعود ذكره في المصادر التاريخية إلى ما قبل بعثة النبي [ ، وتحتل المهرة موقعاً متميزاً فهي ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة بعد حضرموت وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية بين خطي العرض 15-18، وهي في شرق اليمن تطل على البحر العربي امتداداً للمحيط الهندي وتبلغ مساحتها 93000 كيلومتر مربع تقريباً.

عدد سكانها يصل إلى 200 ألف نسمة يتوزع نشاطهم على قسمين: سكان الصحراء يعتمدون على رعي الإبل والأغنام والزراعة الخفيفة، وسكان الشريط الساحلي يعملون في الصيد، الزراعة، تربية الحيوانات، التجارة، الخدمات والوظائف الحكومية.

ولأبناء المهرة لغة خاصة بهم لا يفهمها إلا هم، وهي مجموعة من اللهجات اليمنية لا يزال يتكلم بها أبناء المهرة وسقطرى وظفار، وذكرت المهرة في العديد من المصادر التاريخية، كما ذكرت في مراسلات الرسول [ الى قبائل الجزيرة بداية ظهور الإسلام، وبرز من المهرة رجال في العلم والدين والأدب مثل خالد بن حميد المهري الإسكندراني سنة 169هـ واشتركت المهرة في الفتوحات الإسلامية في شمال شرق أفريقيا والمغرب والأندلس ومن مشاهير المهرة في الأندلس في القرن الـ 15 الهجري الأديب الشاعر محمد بن عمار المهري.

ما هي النتائج التي انتهت إليها أعمال المسح الأثري الأخير؟

- المسح نفذ بنجاح وكانت نتائجه إيجابية، لا سيما وقد كشف عن الكثير من المواقع الاثرية القديمة في المديريات التي شملها المسح، وهي قشن، سيحوت والمسيلة.

كم عدد هذه المواقع المكتشفة بالضبط؟

- عددها «52» موقعاً ومعلماً أثرياً، وكل موقع يتكون من 5-7 معالم وجميعها ذات أهمية تاريخية وأثرية ومعمارية تعود إلى العصور القديمة، وقد قام الفريق الأثري الذي أجرى المسح - وهو بالمناسبة فريق وطني من الهيئة العامة للآثار- بتوثيق وتسجيل هذه المواقع ورفعها هندسياً وتحديدها على الخارطة باستخدام أجهزة تحديد المواقع الجغرافية (جي.بي.إس G.P.S.)، وتصويرها بالكاميرات الحديثة وتشخيص الأضرار التي لحقت بها ومعرفة ما تحتاجه هذه المواقع من أعمال صيانة وترميم أو حفريات لاحقة بحسب حالتها.

وهذه الأعمال المسحية تأتي ضمن الخطة العلمية للهيئة العامة للآثار والمتاحف الهادفة إلى توثيق المواقع الأثرية والتاريخية في الجمهورية وإدراجها ضمن قاعدة بيانات مبنية على نظام جي.اي. سي، والتي توضح البيانات والصور والمساقط والخرائط الجوية والفضائية للمواقع الأثرية.

ما هي أهم وأبرز المواقع الأثرية في المهرة؟

- أبرزها: ميناء «دمغوت» بمديرية حوف وهو ما كان يطلق عليه ميناء الأزد قديماً، كدمة يروب وهي ميناء ومدينة أثرية تاريخية بمديرية الغيظة، ميناء خلفوت (بن مشيخ) في نشطون من أهم الموانئ في العصور الوسطى، وذُكر ميناء خلفوت من قبل (ابن ماجد)، والموقع عبارة عن قلعتين يتوسطهما خور ممتد من البحر إلى عمق الوادي، مدينة حصوين القديمة، السوق القديم في قشن معلم وموقع أثري هام، موقع (حيرج) بسيحوت ميناء ومدينة أثرية وتاريخية وهي أول عاصمة للمهرة في العصور الوسطى، وكان أميرها محمد بن سعيد بن فارس الملقب (أبو دجانة)، وقد هاجم مدينة الشحر سنة 836هـ وضمها إلى إمارته حيرج ومازالت معالم المدينة باقية من مقابر وأطلال وميناء.

في الأعوام الماضية تعرضت عدد من المواقع الأثرية للاعتداء.

- بالفعل ظاهرة الاعتداءات على المواقع الأثرية بالمحافظة تتكرر من حين لآخر، وفي عام 2003م تعرض موقع (خطر) الأثري الهام في مديرية سيحوت للاعتداء والجرف والتدمير من قبل شركة هوك المنفذة لمشروع طريق سيحوت نشطون الساحلي، وقد طاله الضرر بنسبة 70% جراء أعمال الشق، كما طال الجرف مواقع أثرية أخرى مجاورة دون أن تراعي الشركة المنفذة اللوحات الموجودة على المواقع ولا حتى نداءاتنا بوقف الأعمال وتغيير مسار الطريق حفاظاً على المواقع الأثرية.

وقد أبلغنا قيادة المحافظة وديوان الهيئة لاتخاذ الإجراءات القانونية، وكلفت الهيئة محاميا من الدائرة القانونية لمتابعة القضية، وهناك قرار من رئيس الهيئة برقم 99 لسنة 2004م بشأن تشكيل لجنة لمتابعة هذه القضية ضد شركة هوك والقضية لا تزال في محكمة سيحوت وتعثرت لأسباب مالية.. هناك ايضاً اعتداء على موقع حصن الكافر في مديرية المسيلة من قبل شركة صينية تعمل في مجال الاتصالات، حيث قامت هذه الشركة بأعمال إنشائية في الموقع على مساحة 20*20 مترا، وقد اعترضنا على هذا التصرف غير القانوني في حينه ورفعنا عدة شكاوى وتقارير للهيئة والسلطة المحلية، ووجهت الهيئة مذكرة لقيادة المحافظة بالعمل على وقف هذا الاعتداء، والمحافظ وجه مذكرة للسلطة المحلية بالمسيلة لنقل هذه الأعمال لموقع آخر ولم تتخذ الإجراءات لحماية الموقع، ونحن بصدد متابعة الهيئة حالياً لتكليف محام وفق قانون الآثار لتحريك القضية.

وهناك موقع (المجلس القبلي) الاثري المعروف بالغيظة تعرضت مساحته للاعتداء والاستحداث من قبل شخص يدعي ملكيته للموقع، والقضية في محكمة الاستئناف منذ 2002م ونحن على تواصل مع الهيئة بشأن القضية والقضايا الأخرى، وقد أكد د. عبدالله باوزير، رئيس الهيئة اهتمامه بهذه القضايا وبتكليف محام من المحافظة في هذه القضية للفصل فيها.

قبل فترة تم ضبط عدد من القطع الأثرية المهربة عبر الحدود.. ما هي هذا القطع؟

- عملية التهريب هذه كُشفت على حدود المحافظة مع الدول المجاورة وقام المكتب بمتابعة واستلام جزء من القطع الأثرية المضبوطة وهي: مائدة كبيرة من الرخام تحتوي على رؤوس وعول بوزن نصف طن، مائدة حجرية من حجر البلق تحتوي أيضاًَ على رؤوس وعول بوزن نصف طن.. تم ذلك في مايو 2004م بالاشتراك مع الهيئة العامة للآثار، وأودعت هذه القطع في متحف الغيظة لصعوبة نقلها إلى صنعاء.

وقد قام المكتب بالتنسيق مع الجهات المعنية والأمنية في المديريات بتسهيل المهمة في مكافحة تهريب الآثار والممتلكات الثقافية عبر الحدود والمنافد البرية والبحرية والجوية بناء على تعميم الهيئة بإنشاء الإدارة العامة لحماية الآثار والممتلكات الثقافية.

والجزء الآخر من القطع.. ما مصيره؟

- تم ترحيله إلى العاصمة صنعاء برفقة الفريق المكلف من الهيئة بهذا الشأن.

مدى التعاون بين مكتب الآثار وكل من السلطة المحلية بالمحافظة والهيئة العامة للآثار في تنفيذ مهامكم؟

- السلطة المحلية ممثلة بالأخ ناجي علي الظليمي، محافظ المحافظة تبدي تعاوناً واهتماماً كبيراً في تنفيذ مهامنا وتفعيل دور النشاط الأثري في المهرة، وقيادة الهيئة ممثلة بالدكتور عبدالله محمد باوزير تولي اهتماما ودعما وعناية كبيرة لفرعنا لإدراكهم المسؤول بما تزخر به محافظة المهرة من مواقع أثرية هامة وحضارة تاريخية قديمة.

ما هي ملامح هذا الاهتمام؟

- أبرزها التواصل الدائم معنا وتفعيل نشاطنا اليومي وتسهيل مهامنا والصعوبات التي تواجهنا.

كذلك اعتمد لنا هذا العام ثلاثة مشاريع هامة وهي: ترميم وتسوير المتحف المركزي بمدينة الغيظة، بناء غرفة خاصة بالحراسة والخدمات، وإجراء مسح أثري لمديريات حوف وحات وشحن، وكذلك إجراء حفرية لموقع كدمة يروب الأثري، ولدينا خطة جديدة تتمثل في تسوير أرضية مبنى الفرع بالغيظة وتسوير بعض المواقع الاثرية الهامة للحفاظ عليها، بالإضافة إلى ترميم قصر السلطان بن عفرار وغيرها.

وصلت للمحافظة بعثة أثرية أمريكية.. ما الأعمال التي أجرتها البعثة؟

- هما بعثتان، الأولى فرنسية عام 2000م والأخرى أمريكية عام 2001م، البعثة الاثرية الفرنسية قامت بإجراء مسح أثري وحددت التنقيب في ميناء حيرج وميناء حلفوت، وهما ميناءان قديمان، والبعثة الأمريكية تركز نشاطها في مديريتي المسيلة وسيحوت، وتم العثور على مدن تاريخية وحصون وقلاع ومقابر قبابية الشكل ترجع إلى العصر الحجري البرونزي والحديدي والإسلامي، وخلال الزيارة للبعثة الامريكية قامت بإجراء ثلاث حفريات في مديرية المسيلة.

ما الصعوبات التي تواجهكم؟

- ما من عمل يخلو من الصعاب، ولكن بوجود النوايا الصادقة والمخلصة للعمل يستطيع المرء الوصول إلى ما يريد.

كلمة أخيرة؟

أتوجه بالشكر والتقدير للدكتور عبدالله محمد باوزير، رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف على جهوده ودعمه لنا في تحريك الكثير من الجوانب والقضايا وتعزيز دور المكتب للأفضل .. كما نثني على اهتمام الأخ ناجي الظليمي، محافظ المهرة، الذي يتفاعل معنا ويذلل لنا الكثير من الصعوبات.

ونهيب بالأخوة المواطنين والمشايخ والأعيان والمجالس المحلية الاهتمام بالآثار وحماية المواقع الأثرية من العبث والإبلاغ عن أي حالة عبث وطمس للمعالم والمواقع الأثرية، لأن الآثار تمثل تاريخ وحضارة الأجداد .. وشكراً لـ «الأيام» على هذا اللقاء والاهتمام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى