الزمن .. زمن المواطن

> عمر محمد بن حليس :

> كثيرة هي الأحداث التي تجري على الساحة العربية، فما من يوم تشرق فيه الشمس أو تجرّ ذيولها نحو المغيب إلا ويحمل هذا اليوم بين ساعاته المزيد من الشواهد والأحداث والمفاجآت,وما جرى ويجري على أرض (لبنان) منذ استشهاد (الحريري) حتى اللحظة من ظهور أو تغييب للأصوات، دليل على المفارقات والمفاجآت التي عشناها ونعيشها في الوطن العربي - كمواطنين بالدرجة الرئيسية.

وبين مجمل تلكم الأحداث والشواهد الباينة للعيان، ظهرت وتظهر تباعاً مقالات وكتابات تحليلية أو وجهات نظر قابلة للخطأ والصواب في مختلف الصحف (عربية أو محلية)، وبغض النظر عن درجات الاختلاف أو الالتقاء في جوانب الطرح تلك، إلا أن المتفق عليه إجمالاً (وهذه وجهة نظري الشخصية) هو أن الغالب مما كتب وتم نشره على الملأ لم يخرج عن نطاق الحقيقة، ولا عن دائرة تفكير أي مثقف أو متابع لكل ما يجري، لأمر بسيط في تقديري وهو أن المواطن العربي عموماً لم يعد ذلك الذي لا يفهم شيئاً من أمور حياته السياسية، وما يجري في أروقتها ودهاليزها ومطابخها حتى وإن كان غائباً أو مغيباً عنها.

فالمواطن العربي أينما كان لديه القدرة على القراءة، ويمتلك من الإمكانات الكثير مما يجعله يحلل ويفكر ويقترح وينتقد، حتى لو لم يكن بصوت عال غير مسموع - لكنه كذلك - وتلك إحدى النعم الممنوحة من رب العالمين.

لذلك علينا التفكير بجدية - أقصد الزعامات العربية- بأهمية وجود هذا المواطن من خلال الاستماع وبصدور رحبة وعقول نيرة، وقلوب واسعة لما يقوله هذا المواطن.

وطبعاً لا أقصد مطلقاً (أحزاب المعارضة) التي يري (بعضها) أنه لا سبيل للخروج من أي أزمة إلا بحضورها المباشر، ومع احترامي فإن بعضاً من تلك الأحزاب الموجودة في المعارضة قد جربت السلطة بشكل مباشر أو مشترك.

لكني أقصد بالمواطن أنا وأنت وهو وهم وهي، أي الشعب برمته، وبكل فئاته وشرائحه التي تشكل المجتمع، الذين يرون في مصلحة بلدهم وأهله أساس كل المصالح، ويؤمنون أيضاً بأن الوطن هو (حزبهم) الذي لا يملك أحد القدرة على تجريدهم من الانتماء إليه، لأنه متى ما تم الاستماع لرأي المواطن غير المسيّس ولا المنتمي لأي حزب، وبمنتهى الموضوعية والصراحة والشفافية، وبعيداً عن الأساليب المتعارف عليها (ترهيباً أو ترغيبا)، أو أساليب النقل غير المنطقي والموضوعي لذلك الرأي (من الأدنى إلى الأعلى) من قبل البطانات القريبة من مراكز النفوذ ووضع القرار، أشعر أنه إذا تم العمل وفق الآلية الصريحة من خلال نسج علاقة قريبة وحميمة مع المواطن، ستكون المخرجات أكثر نضجاً وفائدة تثبّت فيها جذور الثقة والإخلاص، وتبنى على أساسها جسور الوفاء الحقيقية والاستعداد للتضحية والفداء (وما حصل في فنزويلا ليس إلا مثالا).

ومن هذا المنطلق يستطيع المرء أن يخلص إلى أنه لا يمكن لأي نظام سياسي عربي أن يعيش بمعزل عن المواطن وأسلوب وطريقة تفكيره.

وكل الشواهد والدلائل تشير مؤكدة إلى أن الإغفال أو الاستغفال للدور المحوري لهذا المواطن من قبل الأنظمة السياسية، المحاطة بفريق من المبجلين وحملة المباخر وقارعي الدفوف وماسحي الجوخ، يؤدي بها إلى هاوية وقاع سحيق، لأن المواطن أو الشعوب كما هو متعارف عليه هي صانعة الحضارات العريقة والأمجاد التليدة، بل صانعه الحكام والزعامات التي تمتلك مقاليد أمور الحياة الوضعية.

إذن فإن ما يجب أن تفهمه الزعامات هو الاستقراء الواعي والناضج لمجمل أحداث التاريخ، والاتعاظ بالمتغيرات التي تحدث أمام رغبات الشعوب في التغيير، وما حصل في لبنان ومن قبله جورجيا وأوكرانيا، ليس إلا دليلاً على أن العصر هو عصر المواطن - الشعوب.

وبالمقابل على الشعوب نفسها أن تعيد صياغة الكتابة لتاريخها من جديد وبصورة وطريقة أكثر واقعية وحقة، لكي ترتسم الصورة بألوانها الصادقة الجميلة ومعانيها الرائعة، آخذة في الاعتبار بناصية تلك الأقلام التي هي أكثر جرأة ومصداقية في محاكاة الحكام والانظمة، والتي ترى وتقول إنه لم يعد من الممكن بعد الآن المجاملة والسكوت على الأخطاء والإملاءات.

وإلا فإن الزمن الذي يسير وتدور عقارب ساعاته ليس في صالح هذه الشعوب أو المواطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى