رجال في ذاكرة التاريخ 1- الشيخ محمد محسن النونو: أدرك وهو في أرذل العمر أن الثورات سراب وجحود واغتصاب2- البومباشي أول سالم يسلم المطهافي: حدد سنوات كفاحه وحدد سنوات راحته في المطهاف

> «الأيام» نجيب محمد يابلي :

> 1- الشيخ محمد محسن النونو:الميلاد والنشأةالشيخ محمد محسن النونو العرشي من مواليد «برح دبع الداخل» قضاء الحجرية لواء تعز عام 1911م، وتلقى في كتاتيبها حفظ القرآن ومبادئ القراءة والكتابة وغادرها وهو دون الخمسة عشر عاماً من عمره إلى عدن بحثاً عن مصدر رزق. عرفت عدن الشيخ النونو مكافحاً صلباً، ليس من أجل توفير لقمة عيشه وحسب، بل وفي البحث عن ذاته واحترام نفسه، ولذلك تمكن من الوقوف على قدميه وعلى أرض صلبة.

اكتسب الشيخ محمد محسن النونو سمعة طيبة في أوساط كل الشرائح الاجتماعية في مدينة عدن مكنته من انتزاع ثقة المنتجين للخضار والفواكة بتنصيبه وكيلاً لهم في سوق عدن، وكان يصرف منتجاتهم لباعة التجزئة أو أصحاب المطاعم ويجمع مستحقات المنتجين، وصرف جزءاً من اهتماماته المتعددة في المجالين الاجتماعي والتجاري في مجال العقار.

الشيخ النونو مع صديق عمره باشراحيل في نادي الإصلاح العربي
انتخب أعضاء الجمعية العمومية لنادي الإصلاح العربي بالتواهي أعضاء الهيئة الإدارية للنادي عام 1948م وفي مقدمتهم الاستاذ محمد علي باشراحيل، وقد ضم قوام الهيئة الإدارية الافاضل: حسين عبده حمزة، علي غانم كليب، أحمد محمد ناصر، محمد عبدالله البديجي، ردمان هاشم، عبدالله سعد، عبدالله غانم كليب، عبدالقادر سعيد، قادري ثابت، عبدالرزاق محمد سعد ومحمد محسن النونو.

أخذت صورة جماعية لأعضاء الهيئة الإدارية للنادي وهي من محفوظات أرشيف «الأيام» وظهر خلف الصورة علم النادي وهوشعاع شمس تضيء من عدن ويشمل شعاعها الجزيرة العربية بكاملها.

الشيخ النونو (أبوالعدنيين)
نشرت «الأىام» في 9 سبتبمر 2002م موضوعاً كتبه أحمد حسن الدبعي، عنوانه «المجاهد الحاج محمد محسن النونو» في ذكرى مرور عام على وفاته سطر فيه ذكرياته مع الفقيد، ورد في سياقه أنه اختلط بالأسر العدنية العريقة «وكان حتى أيامه الأخيرة يردد عبارة هي (إن العدني إذا أحب يخلص في حبه ووفائه) وكان من وفاء أهالي عدن أن سمّوه (أبو العدنيين).

الشيخ النونو «الجندي المجهول» بتوصيف النعمان والزبيري
كان للشيخ محمد محسن النونو أيادٍ على حركة الأحرار اليمنيين، الذين هربوا من ظلم الأمامة إلى عدن وأسسوا «الاتحاد اليمني» في الأربعينيات من القرن الماضي. تحمل الشيخ النونو مسؤولية الجانب المالي. جند الشيخ النونو عدداً كبيرآً من بني شيبة عام 1948م بعد قيام ثورة 1948م في صنعاء، ونقل المتطوعين الى المحافظات الشمالية واتخذ ذلك القرار باعتباره رئيساً لنادي بني شيبان.

كان الشيخ النونو واجهة الاتحاد اليمني «في حالة الحوارات مع الأطراف الداخلية منها قضية القاضي عبدالكريم العنسي، الذي حكم عليه بالإعدام في أبين» («الأيام» - مرجع سابق)، حيث أثمرت مساعيه الحميدة في إلغاء حكم الإعدام وإطلاق سراحه.

من مساعيه الحميدة أيضاً توسطه لدى السلطات المختصة في إطلاق سراح الاستاذ أحمد محمد نعمان، الذي احتجزته السلطات في مطار عدن في نهاية خمسينات القرن الماضي وهو في طريقه إلى القاهرة، وكان، رحمه الله ،عائداً من مدينة الشيخ عثمان بعد افتتاح مسجد النور وأسفرت مساعي الشيخ النونو عن إطلاق سراح الاستاذ النعمان وتمكن من مواصلة سفره بنفس الرحلة. («الأيام» - مرجع سابق).

قدر الأحرار اليمنيون وفي مقدمتهم الاستاذ أحمد محمد نعمان والشيخ محمد محمود الزبيري جهود ومساهمات الشيخ النونو الخيرة لصالح أبناء وطنه، والتي شملت إرسال الشباب للدراسة في الخارج وأنعموا عليه بلقب «الجندي المجهول» وقد عرض عليه الأستاذ النعمان حقيبة وزارية في إحدى حكومات الستينات من القرن الماضي، إلا أن الشيخ النونو اعتذر عن ذلك العرض الكريم وفضل البقاء في عدن، التي ارتبط بها وجداناً وقدراًَ ومصيراً.

الشيخ النونو يتلف أشرطة تسجيل
روى أحمد حسن الدبعي ( «الأيام» - مرجع سابق) واقعة حدثت أثناء جلوسه ذات يوم مع الفقيد النونو في ديوانه بتعز، فحدثه أحد أبنائه عن تفاصيل رحلته إلى صنعاء وزيارته لأحد المجالس هناك، وحمل تحيات العديد من الشخصيات لوالده، كما حمل رغبتهم وأمنيتهم فيما لوسجل الشيخ النونو ذكرياته في أشرطة وسيقدمونها لفخامة الرئيس الذي سيوجه بصرف سيارة وراتب للشيخ النونو.

انفعل الشيخ النونو عند سماع ذلك المقترح وقال لولده: «هات الأشرطة التي عندك» فأحضرها وقام الفقيد بتكسيرها وقال لولده: «هل يرضيك أن نشحت بالتاريخ؟»

الشيخ النونو وخيبة الظن بالوحدة
بذل الشيخ النونو الغالي والرخيص في سبيل القضية الوطنية على مستوى الشمال والجنوب، وقدم المساعدات النقدية والعينية لرجال الثورة اثناء الكفاح المسلح في عدن، وممن حظوا بمساعداته (مع زميليه في تجارة الخردة محمد عثمان ناصر وحسن دنانا) الجبهة القومية، التي انتفعت بمساعداته حتى بعد نيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، إلا أنه استشعر بالخطر على حياته فنجى بجلده مع أولاده وغادر الجنوب ليستقر في الحديدة.

ارتفع علم دولة الوحدة في 22 مايو 1990م وعاد النازحون من منافيهم متوسمين الأمن والأمان وعودة حقوقهم المنهوبة، وصعق الشيخ النونو بسلوكيات مشينة تحلى بها من كان يتوسم فيهم الشيخ خيراً. لقد نكب الشيخ بممتلكاته وحقوقه بعدما تحولت الأمانة إلى خيانة، وأصول الوثائق إلى وثائق مزورة، وساعدهم في ذلك وجود فاسدين فيما كانت تسمى بوزارة الإسكان والتخطيط الحضري.

لجأ الشيخ النونو إلى القضاء الذي ناصر حقوقه وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. طرق أبواب المسؤولين قبل حرب صيف 1994م وبعدها دون جدوى وها هم أولاده يبذلون الجهد بعد الجهد لاسترداد الحقوق التي ناضل والدهم من أجل استردادها ولكن دون طائل.

علي سالم البيض في محكمة الشيخ النونو
وجه الشيخ محمد محسن النونو خطاباً الى السيد علي سالم البيض نائب رئيس مجلس الرئاسة عام 1993م وأشار الشيخ في خطابه أنه مقدم «بواسطة أبناء أخي وصديقي المرحوم محمد علي باشراحيل» ذكّر الشيخ السيد النائب ببدايات قدومه الى عدن عام 1926م وسنوات الكفاح والكد والعرق الذي أوصله إلى المال الذي جاد به إلى جانب الروح في سبيل القضية الوطنية.

ذكّرالشيخ السيد النائب بالقول: « ولقد آويت رجال الجبهة القومية في محلاتي وكنت أنت أحد المترددين مع الشيهد سالم ربيع علي، رئيس الجمهورية السابق، ومع بقية المناضلين الشرفاء وكان ذلك في منطقة الدرين، الذي أخذ منا ايضاً بغير حق».

اضاف الشيخ في فقرة أخرى: «أجدها فرصة طيبة وأنتم تقومون بتصحيح أخطاء الماضي .. أن أكتب إليكم شكواي هذه متعشماً فيكم رفع الظلم والضرر الذي لحق بي وجعل مني في آخر أيامي رجلاً خالي اليدين».

الشيخ النونو يرفع ملفه إلى رافع السماء بلا عمد
أصيب الشيخ محمد محسن النونو بالإحباط وأنفاسه تتقطع وهو في أرذل العمر وهو يتابع قضية استرداد حقوقه ومعاقبة من خانوا الأمانة ومن سخروا الوظيفة العامة لكسب المال الحرام. رأى الشيخ نفسه غريباً وسط قوم لا يقرأون التاريخ ولا يقدرون رجاله. في التاسع من سبتمبر 2001م فاضت روحه الطاهرة إلى ربها شاكية له ظلم العباد، ولقد سحب ملفه من حكام هذه البلاد ليرفعه إلى خير الحاكمين رافع السماء بلاعمد ورافع الظلم عن المستضعفين في الأرض ومنهم الشيخ محمد محسن النونو، رحمه الله.

رحل الشيخ النونو عن دنيانا عن عمر ناهز التسعين عاماً، وخلف وراءه سيرة عطرة وذكراً حسناً كما خلف راءه (11) ولدا، وهم: فارع، وليد، غازي، تمام، معن، منذر، فاروق، فرعون، علي، معاوية وغمدان و5 بنات هن: آمنة وعائشة وأروى وعيشة وخديجة.

2-البومباشي أول سالم يسلم المطهافي:
الولادة والنشأة البومباشي أول سالم يسلم عزاني المطهافي من مواليد عام 1903م بقرية المطهاف مركز رضوم بمحافظة شبوة، وكانت المطهاف جزءا من أراضي سلطنة الواحدي. لزم الطفل اليتيم سالم يسلم قريته ونشأ فيها وسط ظروف قاسية دامت 15 عاماً، قرر بعدها شد عصا الترحال إلى عدن بحثاً عن سبل الرزق.

نشوء وتطورالجيش في محمية عدن الغربية
ارتبطت السلطنات والإمارات والمشيخات المحيطة بمستعمرة عدن بمعاهدات حماية مع الإدارة البريطانية، وقد عرفت المناطق الواقعة الى الشرق من عدن بـ «محميات عدن الشرقية» EASTERN ADEN PROTECTORATES فيما عرفت المناطق لواقعة إلى الغرب من عدن بـ «محميات عدن الغربية»WESTERN A.P كان الكولونيل جاكوب هو صاحب المشروع الخاص ببناء القوات المحلية، حيث تم تكوين الكتيبة اليمنية الأولى المعروفة بـ FIRST YEMEN من حوالي 40 جندياً وضابطاً وتم اختيار ضباطها الكبار من الانجليز عند التاسيس عام 1919م.

عين الكولونيل إم. سي. ليك M.C. LAKE قائداً للكتيبة الأولى، وكان ليك سكرتيراً أول للحكومة البريطانية في مستعمرة عدن ومساعداً للحاكم العام البريطاني. وبعد حل الكتيبة الأولى عام 1925م أصبح ليك مؤسساً وقائداً لـ (جيش محمية عدن (APL ) عام 1928م وقد خضع ذلك الجيش الذي عرف بجيش الليوي لسلاح الطيران الملكي البريطانيR.A.F. .

المطهافي ومشوار الكفاح العسكري
في العام 1918م غادر سالم يسلم عزاني المطهافي مسقط رأسه المطهاف، وكان في الـ 15 من عمره، وحدد اتجاهه الى عدن، وبعد عام واحد التحق بخدمة الكتيبة الأولى بيد أنه قرر ترك الخدمة فيها بعد ست سنوات.

التحق المطهافي بعد ذلك بخدمة بوليس عدن (الشرطة) وتوفرله الوقت والاستقرار وعزم على تعويض ما فاته من التعليم فالتحق بالصفوف المسائية EVENING CLASSES وكانت من المزايا المتاحة للمدنين والعسكريين، وعلى مدى عامين اكتسب المطهافي اللغتين العربية والانجليزية كتابة ونطقاً، بل وأكد معاصروه أنه كان يتكلم الانجليزية كأحد أبنائها.

وفي 16 أبريل 1928م التحق المطهافي بجيش محمية عدن، وساعده إتقانه للغة الانجليزية في الإلمام بأسرار المهنة منها الانضباط العسكري وبناء الشخصية القوية. تدرج سالم يسلم المطهافي في السلك العسكري حتى وصل إلى رتبة بومباشي أول وعين نائباً لقائد جيش محمية عدن عام 1939م بعد مرور 4 أعوام على الإنعام عليه بوسام العضوية الفخرية للامبراطورية البريطانية HONOURARY MEMBERSHIP OF THE ORDER OF BRITISH EMPIRE كـــما منح المطهافي عدة ميداليات وأوسمة من القادة الانجليز تقديراً لتفانيه في الإخلاص لواجباته العسكرية.

المطهافي يحول دون قصف مسقط رأسه
قامت الطائرات البريطانية بقصف مدينة الحامية التي تسكنها قبائل أهل العظم وأسقطت طائرتان، وقام بعض الأفراد من قبائل أهل لخنف بقتل اثنين من ملاحي إحدى الطائرات بعد أن تمكنا من الهبوط بالمظلات.

رمت الطائرات البريطانية بمنشورات على قرية المطهافي والحمية وطالبت السكان بإخلاء القرى من الشيوخ والأطفال والنساء، إلا أن سالم يسلم المطهافي تمكن من إقناع الكولونيل ليك، قائد جيش محمية عدن بالتفاهم مهع قريبه الشيخ سالم سعيد الحميري .

تم تحديد لقاء الكولونيل ليك والميجر سنان، اللذين قدما إلى قرية عرقة الساحلية بحماية مدمرتين بريطانيتين واجتمعا مع الشيخ سالم سعيد الحميري والعاقل يسلم بن هادي السليماني والعاقل عبدالله بن هادي العظمي وغيرهم من أهل لخنف وتم الاتفاق على توقيع الصلح الذي قضى بأن تدفع قبائل لخنف ديات الملاحين وهي 40 قصبة - بندق - و4000 ريال ماريا تريزا وسار المتصالحون بعد ذلك إلى المطهاف وتم تسوية الأزمة.

من ساحة المعارك الى منشآت النفط
في العام 1952م تم ترقية سالم يسلم عزاني المطهافي إلى رتبة (عقيد) تقديراً لجهوده وخدماته المتميزة، وأحيل إلى التقاعد. انتقل العقيد المطهافي بعد ذلك الى شركة (بكتل) مشرفاً على عمال شركتها التي كلفت ببناء منشأة مصافي عدن البترولية.

في العام 1954م انتقل العقيد المطهافي إلى شركة مصافي عدن رئيساً لقوتها الأمنية وظل يمارس مهام منصبه حتى نهاية الستينات من القرن الماضي عندما اتخذ قراراً بالعودة إلى مسقط رأسه المطهاف ليتفرغ لنخيله وأرضه من جهة، وإعطاء نفسه قدراً من الراحة من جهة أخرى.

نعم العقيد سالم يسلم المطهافي براحة البال في أرضه معتمداً على معاشه التقاعدي إلى أن انتقل إلى جوا ربه راضياً مرضياً في منتصف عام 1973م، مخلفاً وراءه قلوب المحبين وابنتين فقط، ثمرة زيجتين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى