المجتمع الكربوني

> صالح علي السباعي :

>
صالح علي السباعي
صالح علي السباعي
قال جوتيه شاعر ألمانيا محدثاً عن أسرار الحياة: «إن أعظم ما في الحياة غموضها وخفاياها». لقد تجلت حكمة الله في إخفاء ما حولنا من أسرار الطبيعة، لأننا لو عرفنا كل شيء فسوف يحتوينا شعور بملل قاتل وسنفقد الرغبة في الاستمرار في الحياة، ونجد أنفسنا في نهاية الأمر نقف حيث لا ندري ماذا نصنع بأنفسنا تماماً كما لو كنا ننتظر الموت بعد مرض يئس الطب من علاجه.

لذلك يبقى الأمل هو الأمل، والغد هو الغد وما يحمله لنا في هذه الحياة لا يعلمه إلا الله، وها نحن مندفعون مع نسق الحياة بكل ما فيها من تناقضات شئنا ذلك أم لم نشأ.. وفي رحلتنا هذه رأينا ما يخطر وما لا يخطر على البال، ذهب الكثيرون وجاء آخرون، وظهرت دول إلى الوجود وأخرى اختفت، ورأينا قوة الخالق وجبروته في إعصار تسونامي.

لقد عانت دول أوربا التي تعتبر الأصل لكل التطور الحاصل في عالم اليوم، مشاكل اجتماعية واقتصادية ودينية متعددة، وخاضت حروباً شرسة على مدى تاريخها، وكان أشرس ما واجهته الدول الصناعية حربان عالميتان مات في الأولى 000.700.9 ومات في الثانية 000.800.54، منهم 25 مليوناً من دول ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي سابقا ، و000.800.7 مليون صيني و000.280.6 مليون بولندي أي 22% من عدد السكان في بولندا، ثم دخلت هذه الدول في خضم الحرب الباردة وسباق التسلح، ومع ذلك اشتعل سباق المخترعات بين أوربا وأمريكا واليابان، وقدمت إسرائيل 63 اختراعا وقدم العرب جميعاً صفر اختراع. استفاد من هذه الاختراعات الإنسان والحيوان الذي أصبح له مشاف ومنتجعات للراحة والاستجمام، وازداد عدد المسجلين للذهاب في رحلات سياحية إلى الفضاء عام 2010م، وبعد رحيل النعجة (دولي) عن عالمنا جاء استنساخ الأطفال، بينما بقيت المجتمعات الكربونية عقولها مغلقة وكروشها مفتوحة، تمد يدها باستمرار للدول المانحة وصناديق المساعدات التي يأتي في مقدمتها صندوق النقد الدولي وهم يعلمون أن هذا الصندوق يبحت عن الربح، وهو شركة تسيطر أمريكا على معظم أسهمها وتتحكم فيها، وهو لا يقدم أي مشاريع استراتيجية أو صناعية أو زراعية ومساعداته التي يقدمها كقروض لا تتعدى مكافحة الفقر أو ترميم مدرسة أو تقديم قرض لأرملة لشراء ماكينة خياطة، هذا إذا ماعرفنا أن جزءا كبيرا من هذه القروض يذهب إلى جيوب القائمين عليها.

وعندما هبت العاصفة على النمور الآسيوية (97-98) جاء صندوق النقد لتقديم المساعدة، لكن رئيس وزراء ماليزيا السابق (مهاتير محمد) رفض مساعدتهم وقال لهم: ابعدوا بعيداً عنا نحن قادرون على حل مشاكلنا. وشرع بتطبيق نظريته التي تعتمد على تدريب الإنسان الماليزي تدريباً عالياً وزيادة الإنتاج في كل شيء، حيث استقر السوق المحلي واستطاعت ماليزيا الخروج من الأزمة محققة صادرات إلى الخارج بما مقداره 127 مليار دولار عام 2000م، وقد ترك السلطة مهاتير لوزير خارجيته السابق عبدالله أحمد باضاوي، وذهب ليحاضر عن تجربته في سلسلة طويلة من المنتديات والجامعات العالمية، معتبراً أن الحياة مشعل لا بد أن يحمله بأمانة حتى آخر لحظة، كما قال جورج برنارد شو.

والنموذج الماليزي تسعى الكثير من الدول لاقتباسه، وهو قريب من المجتمع العربي الإسلامي، ولو أخذت به المجتمعات الكربونية لتغير واقعها ووجدت الحلول لمشاكلها، أما إذا لم تأخذ به فإن مشاكلها ستزداد وتتعقد ويصبح صعبا على من يريد أن يقيّم أو يكتب عن أحوال المجتمع الكربوني المتناقضة والمعقدة، التي قد تصيب الإنسان بالبلاهة فينطبق عليه ما ذكره الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين حيث قال: إن أحد الرجال هرب من منزله بعد أن ترك رسالة جاء فيها «تزوجت من أرملة لها ابنة شابة، ثم تزوج أبي من ابنة زوجتي فأصبح أبي صهري، وأصبحت ابنة زوجتي أمي، لأنها زوجة أبي، وولدت زوجتي طفلاً، فصار أخاً لزوجة أبي، ثم ولدت زوجة أبي طفلاً فأصبح أخي وفي الوقت نفسه حفيدي لأنه ابن ابنة زوجتي التي تعتبر ابنتي قانوناًَ وعلى ذلك تكون زوجتي هي جدتي لأنها أم زوجة أبي التي هي أمي وبذلك أكون زوج زوجتي وحفيدها، ولما كان زوج جدة الرجل لابد أن يكون جداً هو الآخر، فأكون أنا جد نفسي. ولأنني لم أستطع العيش وسط هذه اللخبطة فقد هربت ولن أعود قبل أن تجدوا حلاً لهذه المشكلة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى