مع الأيــام...جورج جالواي و«اخرج له يا عبده !»

> نجيب محمد يابلي :

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
ليل الأربعاء، الفاتح من يونيو الحالي والبرنامج الزوبعة «بلا حدود» الذي يقدمه الإعلامي المعروف أحمد منصور من قناة «الجزيرة» والذي استضاف النائب البريطاني المعروف جورج جالواي الذي اكتسح الساحة العربية بعزفه البارع على أوتار قلوب عشرات الملايين من العرب والمسلمين. قال جالواي في سياق ردوده على سيدة عربية: أنتم العرب أصحاب تاريخ، لكن «حكامكم حمير». وراح جالواي يهيل بسياطه على ظهور بوش وبلير وبيرلسكوني. وقال جالواي إنه يتحدث بكل حرية بفضل تضحيات السلف التي أوصلته لتلك الحرية. وقبل أن أعقب على هذا الكلام أود أن أعرف القراء الكرام بخلفيات جالواي.

قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بما معناه «كل خلق لما هو ميسر له»، فهذا ميسور له أن يكون مبدئياً، وذاك ميسور له أن يكون انتهازياً وهذا خلق ليشتري، وذاك خلق ليبيع، وهكذا دواليك، وعلى هذه القاعدة المحمدية نشأ جورج جالواي، وهو من مواليد داندي بأسكوتلندا عام 1954م لوالدين كانا من أشد المتحمسين لحزب العمال البريطاني والاتحادات النقابية.

تفرغ جالواي بعد تركه الدراسة للعمل في صفوف حزب العمال البريطاني، وما أن بلغ السادسة والعشرين عاماً من العمر حتى اعتلى زعامة حزب العمال البريطاني في اسكوتلندا، وتمسك جالواي على الدوام بمواقف ومبادئ رست عليها قناعته، ونفى عن نفسه صفة «المغامر الجريء»، ورد على ذلك :«إن المغامرة تعني الرهان على المجهول، وهو أمر ليس من صفاتي أو طباعي، لأني أنطلق في مواقفي من مبادئ واضحة، ومعروفة ومحددة. من حق الآخرين أن يختلفوا معي في الرأي، وأن ينعتوني أو يتهموني بالغباء، فهذا شأنهم، لكني لا أقبل من أحد أن يسميني المغامر».

حافظ جالواي على مبادئه ومواقفه الصريحة الصارخة، وحافظ بذلك على شعبيته التي أوصلته المرة تلو المرة إلى مجلس العموم البريطاني، ووصلت ثقته بنفسه وبقاعدته الشعبية ذروتها، عندما خاض الانتخابات البرلمانية مؤخراً من خارج عباءة حزب العمال البريطاني، وحصد رقماً مشرفاً أدخله البرلمان البريطاني دخول الفاتحين.

يتفاخر جورج جالواي بأصوله الاسكتلندية، لكنه لا يخفي إعجابه باللمسات الإنسانية والعاطفية، التي يتميز بها العرب، وظل مدافعاً عن القضية العربية داخل البرلمان وخارجه، وعزز مشاعره بالاقتران من فلسطينية.

سئل جالواي :« لماذا لا تميل إلى تعلم «الجبلك؟» (اللغة الاسكتلندية الاصلية)، فأجاب :«ليس لدي وقت لتعلم هذه اللغة القديمة، وإذا توافر لدي مثل هذا الوقت، فإني أفضل تعلم اللغة العربية».

اعترف جالواي بنعمة الحرية التي يسرت له الإفصاح عن آرائه بجرأة دون أن يتوجس قدوم زوار الفجر، ودون أن يخشى ردود الأفعال التي ستلغيه وستلغي برامجه المشروعة، والفضل في ذلك كما قال جالواي للتضحيات الجسام التي قدمها المجتمع قرباناً لانتزاع ذلك الحق السليب، أما مجتمعنا العربي، فلا يزال يعيش حالة خوف وقلق وغياب الثقة بالسلطات مهما جسدت وأدمجت وثيقة إعلان حقوق الإنسان، والمعاهدات والبرتوكولات الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من الحقوق.

لا ينشأ رأي عام إلا إذا أفصح كل مواطن عن رأيه في أي موقع من مواقع نشاطه، سواء في مؤسسته الإدارية أو السياسية أو الاجتماعية، أما أن يلجأ أفراد المجتمع إلى أقلام لتفرغ مشاعرها ومطالبها المشروعة على طريقة «اخرج له ياعبده»، فإن الأوضاع ستراوح في مكانها في أحسن الأحوال أو أنها ستزداد تدهوراً وعبثاً لأن «عبده» لن يغير شيئاً، وقد قال عز من قائل: {لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، لأن اليد الواحدة لا تصفق، وعود الحطب الواحد لا يشعل ناراً.

القضية ليست قضية إعجاب بجالواي، بقدر ما هي رثاء لأوضاعنا، وإلا لما وصف جالواي حكامنا بـ «الحمير» واللهم لا شماتة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى