سقراط تحت الضربات

> صالح علي السباعي:

>
صالح علي السباعي
صالح علي السباعي
ذات يوم رفض سقراط أن يهرب من السجن، فضل أن ينتظر حكما عليه بالإعدام، وحين أصر تلامذته على ضرورة هربه حتى لا ينفذ فيه حكم جائر ظالم، عنفهم بشدة، إذ كيف ينصحونه بارتكاب فعل لا أخلاقي، كيف يهرب من تنفيذ حكم صدر في ظل قوانين يجب أن يحترمها كل مواطن، وصاح فيهم: إنني لن أفعل هذا، الفضيلة تحتم علي عدم تنفيذ ما تريدونه .. فضل سقراط أن يموت مظلوماً ولا يستعمل أسلوباً لا أخلاقياً في إنقاذ حياته.

لقد ذهب ذلك الزمان، حيث الصدق والوفاء والصبر، وجاء زمان ازدادت فيه فتاوى الهبر، زمان فيه الكثيرون يتمنطقون أحزمة البطولة والوطنية والنضال، وعند الشدة تسابق أرجلهم الرياح مخلفين وراءهم الفهود! وأصبح أنصار سقراط نادرين، وفوق هذا يعانون وتتوالى عليهم الضربات من كل الجهات، حيث أصبح من يتمسك بالأخلاق والمثل ويجافي النفاق والدجل مثالاً للسخرية والتعدي على حقوقه من قبل من يرفعون شعار (ميكافيللي) الغاية تبرر الوسيلة، وهو شعار أناني انتهازي منذ أن رفعه صاحبه في القرن السادس عشر، ورغم مرور السنين وتغير الأحوال إلا أن الكثيرين يعتبرونه القول الحق، وهو بطل الأساليب في أيامنا هذه، ووسيلة البعض للحصول على الملايين حتى إن كان ذلك من المال العام.

أما المحزن في الأمر فهو أن البعض يطبق هذا الأسلوب على كافة تفاصيل حياته، ولا يكتفي بأن ينال أشياء ليست من حقه، ولكنه ينتقص من قدر الآخرين، ويشيع رغبات غير مشروعة هي بمثابة معول هدم في البناء الاجتماعي.

وبالرغم من أننا جزء من خير أمة أخرجت للناس، تخلى الكثيرون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبحت الغالبية تلهث خلف المادة، وها هو البعض يصحو من نومه ليرفع الأسعار قبل أن ترتفع في بلاد المنشأ، وآخرون يغيرون تواريخ الأغذية والأدوية، بعد أن سيطر على نفوسهم حب المال والشهوات وأصبح الغنى هو المقياس وهو الهدف، غير مدركين أن قارون كان أغنى.. وآخرون يريدون النفوذ والقوة ويتناسون أن فرعون كان أقوى، والبعض أغرته مفاتن الحياة حتى ظن أنه كزنوفا زمانه.

وكان أفضل لهؤلاء لو عادوا إلى جادة الصواب وأظهروا ما يبطنون علانية، ومارسوا الصدق بدلاً من الخداع، والفضيلة بدلاً من الرذيلة، والتراجع عن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومن ثم الذهاب إلى أقرب بحر أو بحيرة ليروا كيف تنكسر الأمواج على الشاطئ وأن لكل بداية نهاية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى