قحطان الشعبي..الزعيم المنسي

> «الأيام» سمير عبدالحق وعبدالاله الخامري:

>
الرئيس قحطان الشعبي، وبجواره فيصل عبداللطيف، يصافح مستقبليه بمطار عدن الدولي، 1969، محمد صالح عولقي، محمد سعيد صدقه، سعيد العكبري وجعفر علي عوض
الرئيس قحطان الشعبي، وبجواره فيصل عبداللطيف، يصافح مستقبليه بمطار عدن الدولي، 1969، محمد صالح عولقي، محمد سعيد صدقه، سعيد العكبري وجعفر علي عوض
رحل الزعيم قحطان الشعبي بعد 12 عاما من السجن الإنفرادي مظلوما ، وظل حتى اليوم على هذا الظلم، فحتى التاريخ اليمني المعاصر لم ينصفه وحتى زملاء النضال ورفاق درب الثورة توارى الكثير منهم عن ذكره وذكر تاريخه وراحوا يمجدون انفسهم أو يمجدون القيادات الثانوية الأدوار بينما الواجب كان ولايزال أن يقال ويكتب في حقه عشرات الكتب والمجلدات وقصص الاطفال والمسرحيات من باب الانصاف التاريخي وزراعة الحقيقة في وجدان وعقول ابنائنا جيلا بعد جيل، ومن باب تأسي الابناء بتاريخ الآباء ونضالهم المشرف.

محطات نضالية
تخرج من جامعة الخرطوم وعاد للعمل في جنوب الوطن، وكان من بين الذين أسسوا حزب رابطة أبناء الجنوب عام 1950م، ثم استقال لخروج مؤسسيها الآخرين عن أهدافها إذ أصبحت تنادي بدولة للجنوب العربي بعد أن تأسست على مبادئ وحدوية. في الوقت الذي كان فيه قحطان الشعبي منضماً لحركة القوميين العرب بصفة سرية، والتي أسس فرعها في عدن المناضل الشهيد فيصل عبداللطيف الشعبي.

وعام 1959م وضع الزعيمان قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي كتيباً باسم حركة القوميين العرب يدعوان فيه للكفاح المسلح لتحرير جنوب اليمن.

وبعد محاولة القوات البريطانية القيام بإعتقال قحطان الشعبي بسبب نشاطه السياسي في حزب الرابطة المناهض للاستعمار، هرب إلى تعز ثم اتجه نحو القاهرة، وحصل منها على حق اللجوء السياسي. ومن هناك قاد نضال التحرير.

وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عاد إلى صنعاء، وقام بجهد تنظيمي كبير بين صفوف أبناء الجنوب للدفاع عن الثورة السبتمبرية، ثم قام الرئيس المشير عبدالله السلال بتعيينه مستشاراً لشؤون الجنوب، ومن مكتبه في القصر الجمهوري بصنعاء بدأ التحضير لتكوين جبهة لتحرير الجنوب (الجبهة القومية) وفي 14 أكتوبر 1963م، كتب قحطان الشعبي أول بيان للثورة التي قامت من جبال ردفان. ووزع البيان على وكالات الأنباء إثر مواجهات دامية بين القوات البريطانية والشيخ راجح بن غالب لبوزة ومجموعته التي عادت للتو من معارك الدفاع عن الثورة السبتمبرية بعد معرفة المستعمر أن عودة المجموعة كانت تهدف للتحضير لتفجير الثورة وفق توجيهات عليا من قحطان الشعبي.

وبعد سنوات من النضال المرير ترأس قحطان الشعبي وفد التفاوض من أجل الاستقلال إلى جنيف، وانتزع وثيقة استقلال الشطر الجنوبي بعد مفاوضات شاقة. وعاد قحطان الشعبي إلى عدن صبيحة يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م، وزحفت الجماهير اليمنية من مختلف المحافظات الجنوبية والوسطى والجنوبية الغربية، مستقبلة قحطان الشعبي استقبال الأبطال، بل كبطل تفرد بصناعة هذا الحدث الكبير.

ومن مدينة الشعب (مدينة الاتحاد سابقاً) أعلن قحطان الشعبي استقلال الجنوب اليمني، وانتخب رئيساً لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

وكنتيجة منطقية للحرب الباردة بين الشرق والغرب، كان التيار اليساري في الجبهة القومية ينمو بشكل مذهل، وتخطى القيادة التاريخية للجبهة القومية (بصفتها قيادة فرع حركة القوميين العرب). وقاد هذا التيار اليساري حركة انقلابية في 22 يونيو 1969م أسماها حركة تصحيحية. وكانت القيادة التاريخية للجبهة القومية بزعامة الرئيس قحطان الشعبي، ذات فكر سياسي معتدل ومستنير يحيط بكل المتغيرات الدولية، وعلى دراية بمعاني اللعبة السياسية في العالم، ولديها رؤية سياسية تستجيب لحاجات المجتمع والظروف المحيطة بالدولة الوليدة. ورغم جهود قحطان الشعبي الجبارة في بناء هذه الدولة الوليدة، ومحاولاته توجيه وتوعية الأطراف المتصارعة على السلطة في الجبهة القومية، بضرورة عدم القفز على الواقع واحترام ثقافة الشعب، إلا أن الأجنحة اليسارية كانت على توافق تام لإزاحة هذه القيادة، وفعلاً يوم 22 يونيو 1969م، قدم قحطان الشعبي وابن عمه فيصل عبداللطيف الشعبي استقالتيهما، بعد أن تكالبت عليهما القوى اليسارية المتجهة شرقاً في الجبهة القومية، رغم قدرة قحطان الشعبي يومها على فعل الكثير، كون قيادة الجيش كانت تحت إمرته. وقد طلب قادته منه الأمر بالتحرك لقمع هذا الانقلاب، لكنه فضل عدم إراقة الدماء، وتقديم الاستقالة، والاعتماد على حسم الأمر لاحقاً في أطر وهياكل الجبهة القومية. ولكن رفاق دربه كانوا قد تجردوا من إنسانيتهم فذهبوا يمارسون شتى أنواع التصفيات، أشدها إيلاما اغتيال القائد الفذ فيصل عبداللطيف الشعبي في السجن، مارس 1970م، كما أنهم خافوا شعبية الزعيم وحضوره الدولي والمحلي فأودعوه السجن، وعاش تحت الاعتقال الانفرادي والحراسة المشددة طيلة 12 عاماً، ولربما إنه ذهب مسموماً بعد أن كثرت الوساطات لإطلاق سراحه، وكانت أولى هذه الوساطات لفخامة الزعيم جمال عبدالناصر وآخرها لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح، في الكويت، عام 1979م، عندما التقى بالرئيس عبدالفتاح إسماعيل. ثم انتقل الزعيم قحطان الشعبي إلى جوار ربه بعد حياة نضالية حافلة بالعطاء لوطنه، ثم الظلم والحرمان من التمتع بحق الحياة.

بالأحضان يا قحطان
قحطان الشعبي كزعيم ورئيس قاد ثورة شعب للتحرر من الاستعمار حتى انتزع وثيقة الاستقلال باسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ورفض التفاوض مع المستعمر باسم دولة الجنوب العربي، كما طلب منه المفاوض البريطاني أن تستقل بهذا الاسم، كونه كان المدماك السياسي لإغلاق أي سبيل للوحدة اليمنية. وعاد قحطان الشعبي يحمل ذلك الإنجاز بين يديه، وبذل جهودا عظيمة لتكوين هياكل الدولة الجديدة، وإرساء دعائمها، في الوقت الذي كان الشعب يردد إلى جانب السلطة الرسمية المتعددة: بالأحضان يا قحطان .. يا رئيسنا يا أبو الشجعان، إذ كانت إذاعة عدن وتليفزيونها يرددان تلك الأنشودة الشهيرة كل يوم تقريباً في سنوات حكمه وفي كل المناسبات.

ولمزيد من التذكير والتعريف للجيل الجديد الذي ربما بعضه لم يسمع بقحطان الشعبي وقيادته لثورة الشعب في جنوب الوطن حتى الاستقلال، فإن هذا الزعيم عندما عاد إلى أرض الوطن عقب الاستقلال (بعد زيارة خارجية لمصر والعراق والجزائر)، استقبلته الجماهير من كل حدب وصوب على أنغام تلك الأنشودة التي كانت إذاعة وتلفزيون عدن يرددانها، ولم نستطع (نحن الصغار يومها) أن ننسى تلك الأنشودة وكلماتها الجميلة حتى اللحظة، بينما نسيها رفاق الدرب.

الرئيس جمال عبدالناصر يهدي للرئيس قحطان الشعبي أرفع وسام مصري «قلادة النيل العظمى) التي لم يهدها من قبل الا لزعيمين عربيين «الاسكندرية 25 يونيو 1968»
الرئيس جمال عبدالناصر يهدي للرئيس قحطان الشعبي أرفع وسام مصري «قلادة النيل العظمى) التي لم يهدها من قبل الا لزعيمين عربيين «الاسكندرية 25 يونيو 1968»
فهل ياترى هذا الشعب وتلك القيادات التي تلت قيادة قحطان الشعبي، قد عملت ولو قليلا، من أجل إعطاء قحطان الشعبي حقه ولو من باب الاعتراف بالذنب بحقه كبطل ومناضل أولاً، والرئيس القائد ثانياً، ثم السجين المقهور إجبارياً ثالثاً، وفاءً له، ووفاءً لهذا الشعب وتلك الجماهير التي خاضت نضال التحرير خلف قحطان الشعبي، وسقط منها الآف من الشهداء والجرحى، وفاءً وتشبثاً بقيادته، وانتصاراً لقضيته. ولا أدل على ذلك من رفض قواعد وقيادات وأنصار الجبهة القومية قضية الاندماج مع جبهة التحرير أثناء حرب الاستقلال؛ فقام قحطان الشعبي يلقي بياناً يكذب فيه قضية الدمج، ويدعو قيادات وقواعد الجبهة القومية إلى مواصلة النضال حتى الاستقلال (فاحتجزته السلطات المصرية منذ 13 يناير 66م، وبعد هزيمة يونيو 67 استقبله الزعيم جمال عبدالناصر وسمح له بمغادرة مصر في أغسطس 67). فهل يا ترى أن لهؤلاء ولو كانوا بعيدين عن السلطة أو موجودين فيها، أن يقوموا بواجب ما نحو قائدهم العظيم.

التاريخ لا ينسى
إن قحطان الشعبي لم يكن ملكاً لفئة من هذا الشعب أو لشريحة منه، وإنما كان وسيظل ملكاً وزعيماً لكل أبناء هذا الوطن. ولكن الذين ارتبطوا به، وكانوا تحت قيادته هم الأكثر قدرة على إنصاف حقه التاريخي، وإعادة الاعتبار لتاريخه النضالي والسياسي. فإذا كان قحطان الشعبي قد ظلم حياً وتم محو إنجازاته، فهل يجوز أن يستمر هذا الظلم حتى بعد تحقيق الوحدة اليمنية التي كانت أملاً يراوده، وإطاراً لفكره القومي؟

إن قحطان الشعبي كسياسي عملاق قاد هو وابن عمه فيصل عبداللطيف الشعبي، نضال شعب، وصنعا ملحمة ثورته، وهزم فيها الاستعمار وطرده من آخر جزء في الوطن العربي، في الوقت الذي كان فيه هذا الاستعمار قد هزم رائدة النضال العربي (مصر) في حرب يونيو 1967م. وكانت فرحة انتصار تلك الثورة بعد خمسة أشهر من الهزيمة تعد بلسما يداوي جراح النكسة الموجعة للعرب، فقام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بدعوة الرئيس قحطان الشعبي للقاهرة، وقلده في حفل بهيج قلادة النيل العظمى، وهي أرفع الأوسمة في مصر، مثمناً له دوره النضالي في هزيمة الاستعمار والانتصار للقضية العربية، واستعادة الكرامة. وقال يومها عبدالناصر في ذلك الحفل لقحطان الشعبي: لقد استعدتم الكرامة وأعدتم لي شبابي، في الوقت الذي تراجعت فيه هذه القضية في الجبهة الامامية بسبب تكالب هذا الاستعمار على هذه الجبهة في فلسطين وسيناء والجولان.

رحل العملاق مظلوماً
رحل الزعيم قحطان الشعبي بعد 12 عاماً من السجن الانفرادي مظلوماً وظل حتى اليوم على هذا الظلم، فحتى التاريخ اليمني المعاصر لم ينصفه، وحتى زملاء النضال ورفاق درب الثورة توارى الكثير منهم عن ذكره وذكر تاريخه وراحوا يمجدون أنفسهم أو يمجدون القيادات الثانوية الأدوار، بينما الواجب كان ولايزال أن يقال ويكتب في حقه عشرات الكتب والمجلدات وقصص الأطفال والمسرحيات من باب الإنصاف التاريخي وزراعة الحقيقة في وجدان وعقول أبنائنا جيلاً بعد جيل، ومن باب تأسي الأبناء بتاريخ الآباء ونضالهم المشرف.

تراث قحطان الشعبي
لم يخلف قحطان الشعبي وراءه لأسرته العمارات الشاهقة والفلل الفخمة والأموال المودعة في البنوك أو السيارات الفارهة، وإنما خلف تراثاً من الذكرى العطرة والمجد والفخار، والاسم الذي اقترن بالثورة وحرب التحرير وفدائيي الثورة ومناضلي حرب التحرير وشهدائها .. إلخ من المسميات الثورية والنضالية، فحتى تلك السيارة المرسيدس التي كان يستقلها قحطان الشعبي، رحمه الله، وكانت مخصصة له أثناء رئاسته للشطر الجنوبي لم تسلم لأسرته، وإنما ظلت بحوزة الدولة، وهي الآن في صنعاء ضمن المنقولات للأمانة العامة ولاتزال بحالة جيدة، ولكنها تفقد كل يوم قطعاً ثمينة من قطعها دون إمكانية استبدالها لقدم موديل صناعتها، وكان يفترض أن تبقى تراثاً بحوزة أسرته أو تحال للمتحف الوطني مع نبذة تاريخية إلى جانبهما، وهذا أقل واجب حيال السيارة التي قد تلحظها أسرته في شوارع العاصمة تتعرض للعبث، ويحز في نفوسهم ذلك المشهد كلما تكرر.

بين يدي القيادة السياسية
لقد كان ولايزال فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وفياً لقادة الثورة ورجالها، وقد كرمهم وكرم أسرهم ومنحهم حقهم المستحق وفاءً لهم ولأدوارهم النضالية، في الوقت الذي عز فيه الوفاء. وفي نظرنا إن قحطان الشعبي هو أكثر هؤلاء استحقاقاً للتكريم والوفاء والعرفان، كونه صانع الثورة وقائدها ومنجز استقلالها، ثم رئيسا لدولة هذه الثورة، وهناك سؤال: هل سيتنادى من ارتبط باسم قحطان الشعبي وثورته في تقديم المقترحات وتوضيح الكيفيات والآليات اللازمة للتكريم، ووضعها بين يدي القيادة السياسية، وبما يليق بتكريم زعيم مثل قحطان الشعبي، ورد الاعتبار لتاريخه، في الوقت الذي لا ننسى فيه ابن عمه القائد الفذ الشهيد البطل فيصل عبداللطيف الشعبي، قائد حرب التحرير في الداخل والخارج ومؤسس حركة القوميين العرب في اليمن وأول رئيس وزراء للشطر الجنوبي، ومن حاصر القوات البريطانية في عدن بعد النكسة مباشرة لمدة عشرين يوماً، فحول اهتمام العالم من انتصار إسرائيل على العرب إلى حصار الجيش البريطاني بعدن.

وفي نظرنا.. أن مناسبة عظيمة كمناسبة 22 مايو، هي المناسبة اللائقة بتكريم الزعيم قحطان الشعبي وابن عمه فيصل عبداللطيف، وإعادة الاعتبار لتاريخهما المسروق منهما ظلماً وعدواناً .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لايشكر الناس لا يشكره الله».

عن «الوحدوي»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى