نجوم عدن..سلطان عبده ناجي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
ما كان ليغرّني تجهّم سلطان عبده ناجي، فقد كنت أرى تحت ذلك القناع براءة الطفل الشقي في أحيان قليلة، والمرح في كل الأحيان، والمتفكر في أحوال الدنيا وتقلباتها لعله يرقى إلى الأسباب في السماء أو يهبط اليها تحت الأرض.

سلطان الإداري المرموق ورئيس الخدمة المدنية في عدن وهو منصب سام، ينسى كل شيء في الوظيفة ولا يفكر إلا بالقانون على الورق كمرجعية، وهو عظيم التعلق بالمرجعيات، وهناك تعرفت عليه وهو على الكرسي، فقد ذهبت أطالب بدرجة إضافية لأنني حصلت على ماجستير الآداب - صحافة بدرجة شرف، وكان موظفوه حائرين فالقانون من أيام الإنجليز وكانت هذه الدرجة من حق المتخرجين في الجامعات الإنجليزية بينما العهد الجديد لم يشرّع ولم يلغ ولم يعدّل ولكن الاختراقات يومية بأوامر عليا دون قوانين، وحين خاطبته قال لي: إذا كنت قادراً على الاختراق، اخترق فهذا شأنك، أما أنا فلن أوقع بقلمي إلا وفق القانون كما أخبرك الموظفون، ولم يقدر لي الحصول على تلك الدرجة فلا أنا اخترقت الأوامر العليا غير القانونية ولا أنا اخترقت سلطان ناجي القانوني، وحين قابلته بعد حين ونكأت الجرح قال لي: ائتني بقانون جديد حسب الأصول المرعية وخذ ما تشاء، وأضاف: يا أخي أنا لا أعطيك من جيبي، ورأيي أنك تستحق الدرجة، ولكن القانون هو القانون.

ورغم ذلك فقد حصلت على ما هو أهم من الدرجة، صداقة سلطان عبده ناجي الوديع الخلوق الذي لا يستطيع مهما فعل أن يتكتم على مشاعره وآرائه وكان قد برم برماً عظيماً بـ«الثوار» الذين لا يطيقون سماع كلمتي «قانون» و«نظام» ومازالوا وراءهما حتى علقوهما في حبل المشنقة واستراحوا من القانون والنظام إلى الأبد فأصبح «اللا قانون» هو القانون الثوري فتهدمت كل السدود وتدفقت واختلطت كل المياه فغارت في قرار مكين، وأبلس الناس ربنا كما خلقتنا ولا من ناصر ولا من معين.

حينها فر سلطان بجلده من الواقع إلى التاريخ وهناك وجد ملاذه ومرجعيته وكان لطيبة قلبه وسلامة نواياه وكون ما في خاطره على لسانه يحظى بالحب والاحترام الأمر الذي يسّر له شيئاً من العيش المعقول وكنت أتعاطى القات في مجلسه بخور مكسر مع الأستاذ الشاعر محمد سعيد جرادة وآخرين، وذات مقيل وكان يعد لطبع أحد كتبه التاريخية طلب من الجرادة أن يكتب إهداء شعرياً إلى بناته وولده على ما أتذكر ولم يكن الجرادة في مزاج وادي عبقر، فأخذت ورقة وكتبت الإهداء فأعجب به أيما أعجاب ولكنه تعجب أكثر كوني أكتب الشعر فما كنت معروفاً في هذا المضمار، وحين نشر الإهداء في الكتاب وضع عليه اسم الأستاذ جرادة، فسألته عن ذاك فأجابني وهو يضحك: من يعرف فضل النقيب؟ إن اسم الجرادة كفيل بأن يخلد هذه الأبيات.. قلت له: صدقت وياما في السجن مظاليم .. أما الجرادة فعلق: أنا أبرأ إلى الله من هذه الأبيات، ولكن ما دام النشر قد تم فلن نبكي على اللبن المسكوب.

واشتكى إليه أحد الأصدقاء من أن زوجته تقرعه ليل نهار بسبب ضيق المعيشة، وتستكثر عليه «عشب القات» وأنه يفكر بالطلاق فقال له: أنت أهبل، السبب أكبر منك ومنها، وأخذ يعرعر للأوضاع وللاتحاد السوفيتي، لذلك إبان حرب أكتوبر 1973م كان يراهن على أن مسألة بقاء الحكم رهن بعدد من الساعات وفي أبعد الأحوال أيام فقد «جاءوا من بوابة هزيمة 1967 وسيخرجون من نافذة انتصار اكتوبر» وكان يجلجل بالتحليلات حتى يكاد يشترغ بالقات فيما محمد مرشد ناجي يقول له «قابلني بالمشمش يا سلطان» ويضيف إلى ذلك رهاناً عسيراً إن تحققت نبوءات بن عبده ناجي: وتقدّرون فتضحك الأقدار، فقيام الدول ومحقها رهنٌ بقانون داخلي تتآكل وفقه أحشاؤها ويأكلها النمل الأبيض حتى تستحيل إلى رماد لا تقبل الأرض تسميدها به وإنما تذروه للرياح.

رحم الله سلطان عبده ناجي أحد نجوم عدن الذي خلف وراءه إرثا جميلاً من المحبة والجمال والعمل الصالح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى