باسم أي دين يتحدث هؤلاء؟

> «الأيام» متابعات:

> قبل سنوات كنت في زيارة للبحرين جالسا في مطعم للسمك مع مجموعة من الأصدقاء عندما ظهر خبر على شاشة التلفزيون حول اختطاف مجموعةٍ من الإرهابيين والإرهابيات المسلمين مجموعةً من الرهائن في روسيا. الأمر الذي لفت انتباهي هو رد الفعل الغريزي لرجل الأعمال البحريني الجالس إلى جواري الذي تمتم قائلا : «لماذا نظهر نحن في كل خبر؟» وكلمة «نحن» التي كان يشير إليها هي «نحن المسلمين».

والإجابة عن هذا السؤال واحدة من أهم القضايا المطروحة في مجال الجيوبولتيكيس اليوم. لماذا لا يتردد بعض الشباب المسلم، من لندن إلى الرياض ومن بالي إلى بغداد، في تفجير أنفسهم والآخرين باسم دينهم؟ بالطبع، ليس كل مسلم انتحاريا، فالأمر سيبدو سخيفا لو قلنا ذلك.ولكن، وفي المقابل، فالانتحاريون، كلهم تقريبا، في الآونة الاخيرة، من المسلمين السنة. هناك العديد من الناس الغاضبين في العالم. مكسيكيون غاضبون، وأفارقة غاضبون، ونرويجيون غاضبون.

ولكن الأشخاص الوحيدين الذين يشعرون بأنهم مخولون ويشجعون على قتل انفسهم وأشخاص أبرياء، من ضمنهم مسلمون آخرون، هم المتطرفون من المسلمين السنة. فما الذي يحدث؟

ولا يمكننا، ولا العالم الإسلامي، التهرب من هذا السؤال. وهو أمر ينطبق بدقة على أشخاص مثل محمد بوري المواطن الهولندي المغربي الأصل الذي لاحق المخرج الهولندي ثيو فان غوخ، الذي ينتقد التعصب الإسلامي، في شارع في امستردام وأطلق عليه النار 15 مرة وذبحه بسكين جزار. وقال في آخر أيام محاكمته يوم الخميس «أتحمل مسؤولية أفعالي كاملة. لقد تصرفت باسم ديني».

من الواضح، أن عدة أمور تفاعلت معا. واحد منها هو أن أوروبا ليست بوتقة انصهار ولم تدمج بعد، بطريقة كافية، أقلياتها الإسلامية، الذين، كما وصفتهم صحيفة «فاينانشيال تايمز» يجدون أنفسهم عادة «معزولين عن بلادهم ولغتهم وثقافتهم الأصلية» بدون الاندماج في أوروبا، مما يجعلهم فريسة سهلة لدعاة الهوية الجهادية الجديدة.

ومن بين العوامل أيضا صراع الإسلام السني مع الحداثة. فالإسلام يتمتع بتقاليد قديمة من التسامح مع الأديان الأخرى، ولكن من منطلق تفوق الإسلام، وليس المساواة مع الإسلام. فالهوية الذاتية للإسلام تنطلق من أنه التعبير المثالي والصادق للوحدانية. ويربى المسلمون على وجهة النظر بأن الإسلام يحتل المرتبة الثالثة تاريخيا والمسيحية المرتبة الثانية واليهودية المرتبة الأولى في الأديان السماوية، وأن الهندوسية لا تحتل أية مرتبة على الإطلاق.

وجزء مما كان حادثا لهؤلاء الشبان المسلمين أنهم كانوا، من ناحية، قد وقعوا في إغراءات المجتمع الغربي، ويشعرون من الناحية الأخرى بالحياء من هذا الإغراء. ومن ناحية أخرى يشعرون بالذل لأن القرار بحظر الإصلاح وإعادة تفسير الإسلام منذ القرن الثاني عشر خنق روح الابتكار في العالم الإسلامي، وجعله أقل قوة في مجالات التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا، وذلك في ظل وجود افتراض سائد بتفوق الحضــارة الإسلامية السنية. يقول المؤرخ وكاتب سيرة نجيب محفوظ، ريموند ستوك، إن بعض هؤلاء الشبان المسلمين وقعوا في إغراء حضارة يعتبرونها متدنية أخلاقيا، كما يعتقد أيضا بأنهم كانوا يشعرون بالإهانة من جراء حقيقة أن الحضارات الأخرى أفضل حالا وتقدما، في الوقت الذي تعلموا فيه أن دينهم هو المتفوق. قال ستوك أيضا إنه عندما يتزايد الصراع الداخلي، يجري استغلال البعض وإغراؤهم بالسعي لـ«الشهادة» بمحاربة ما يزعمون أنه احتلال غير عادل لأراضي المسلمين، والانهيار في القيم والأخلاق.

الأمر هنا لا يتعلق بالفقر الاقتصادي وإنما بفقر الكرامة وما يثيره ذلك من غضب. أحد منفذي تفجيرات لندن متزوج وله طفل وتنتظر زوجته طفلا ثانيا. يمكن أن أتفهم، لكنني لا أقبل مطلقا، أن الهجمات الانتحارية في العراق أو اسرائيل جزء من صراع له منطلقات ومشاعر قومية. ولكن عندما يفجر مسلم بريطاني، نشأ وتربى في هذا المجتمع، جيرانه على نحو عشوائي، ويترك وراءه طفلا وزوجته الحامل، فلا بد أن يكون تحت تأثير وقبضة طائفة أو واعظ يتسم كلاهما بالخطورة، الخطورة على الدين وعلى العالم.

كيف حدث ذلك؟ وصفت صحيفة «الانديبندانت» البريطانية أحد منفذي التفجيرات، يدعى حسيب حسين، بأنه تحول بصورة مفاجئة «من بريطاني آسيوي يرتدي الملابس الغربية، إلى مراهق متدين يرتدي الزي الإسلامي ويتوقف فقط لإلقاء التحية على المسلمين».

سر قصة هذا الشاب يكمن في هذا التحول، وكذلك في الأزمة داخل الإسلام. فالأشخاص والأفكار التي أدت إلى هذا التحول المفاجئ لحسيب حسين ورفاقه ستنتهي بتحول كل مسلم إلى مشتبه فيه، وإلى تحول الإسلام كواحد من أعظم الأديان في العالم إلى تصدير الموت.

خدمة «نيويورك تايمز»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى