مع الأيــام..بالروح بالدم

> حسام محمد سلطان:

> حاولت مراراًَ وتكراراً معرفة أصل هذا الشعار البليد «بالروح بالدم» الذي أصبح رمز حالة اللا وعي التي تعيشها جماهيرنا العربية من البحر إلى البحر، ولكني لم أصل إلى نتيجة.. أعترف أن الغرض من بحثي لم يكن ذا أهمية ولكنه مجرد رغبة في معرفة متى بدأت مرحلة الشعارات والهتافات في تاريخنا ومن كان له الفضل فيها لعلي أستطيع أن أخرج بتصور عن متى تنتهي هذه المرحلة العقيمة من تاريخنا التي لم تثمر في الحقيقة سوى الكثير من الأرواح التي أزهقت والدماء التي استبيحت والقليل من الإنجازات.

أصبح لدى العرب هوس عجيب بهذا الشعار حتى لا تكاد تخرج مظاهرة عفوية أو منظمة إلا وتسمع من ينادي فيها بضرورة الفداء بالروح والدم لشخص ما أو شيء ما حتى وإن كانت المظاهرة بسبب ارتفاع الأسعار والغلاء أو لأي سبب آخر لا علاقة له بالحروب أو بالقضايا المصيرية الكبرى، ولكنها كما قلت سابقاً حالة عامة اختلطت فيها المشاعر الوطنية الجياشة بضعف الوعي السياسي بغياب النضج الفكري، فأنتجت لنا جماهير غاضبة تبحث عن شخص ما أو شيء ما لتفتديه بالروح والدم بالصياح غالباً لا أكثر ولا أقل. ففي حالة الغضب على الحكومات مثلاً بسبب غلاء الأسعار أو تدهور الأوضاع الاقتصادية تنادي الجماهير بهذا الشعار اللطيف والراقي «بالروح بالدم نفديك يا فلان»، وعادة ما يكون فلان في هذه الحالة هو إما زعيم تمرد أو قطب منأاقطاب المعارضة، والصياح باسمه لا يكون عادة حباً فيه أو لأن له برنامجاً سياسياً يستحق فعلاً الفداء بالروح والدم، أو لأن الأيام أثبتت حنكته السياسية وصفاء يديه، ولكن نكاية بالحكومة فقط ودروشة سياسية تنفس فيها الجماهير عن غضبها قبل العودة إلى الروتين اليومي الاعتيادي.

ثم نجد هذا الهتاف نفسه يتكرر مع كل حدث عالمي تداس فيه كرامة المسلمين أو يستهان فيه بحرماتهم أو تحدث فيه مواجهة فعلية أو وهمية بين الإسلام والغرب، حتى تربت فينا مع الوقت قناعة بأن الحل لمشاكلنا الداخلية والخارجية لا بد وأن يمر بطريق الدم وقبض الأرواح. لم يعد لدى جماهيرنا القدرة على تحليل الأمور ووزنها بميزان العقل الذي حثنا القرآن الكريم على استعماله مراراً وتكراراً من أجل معرفة الصواب من الخطأ وتأسيس أصول للتعامل مع الأحداث وبناء أجيال واعية لما يحدث حولها قادرة على إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة، ثم لماذا كل هذا ؟ أليس الأسهل أن نبحث عن شخص نفديه بالروح والدم ونترك له مسألة الخروج بنا من المآزق، وما تزال مظاهرات ما بعد غزو العراق للكويت حاضرة في الأذهان.

المشكلة أننا بعد كل هذه السنين وكل هذه التجارب والآلام والإحباطات ممن نادينا بفدائهم بالروح والدم، مازلنا نبحث عن هذا الشخص التائه ليأخذ بيدنا إلى بر الأمان، سواء داخلياً أو خارجياً على مستوى الأمة، لا يهم كم تسيل من الدماء البريئة في سبيل ذلك، لأننا سنفديه بالروح والدم على كل حال.

قد يكون من المفيد لوزراء الداخلية العرب في اجتماعهم القادم لمناقشة موضوع الإرهاب منع الجماهير من الهتاف بهذا الشعار رحمة بجماهيرنا العربية الأبية من التمادي في الوهم وحافزاً لهم على إيجاد وسائل أخرى للتعامل مع مشاكلنا على اعتبار أن هذا الهتاف محرض رئيس على ثقافة الدم والاستهانة بالأرواح.

نعم سيخسر الزعماء بهذا القرار شعاراً محبباً إليهم، ولكن ربما سيكسبون به شعوبهم.. لعل وعسى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى