قيمة الزمن

> طه أمان:

> الناس في هذا العالم بين باك على أمسه وساخط على يومه وشديد الرجاء بغده .. وقلما نجد بينهم من لا يعدد لك طيب ما مر به من أيام الحياة .. أو من لا يشكو مما هو فيه في يومه .. أو من لا يتشاءم مما هو مخبأ له في ثنيات غده.

والعاقل من اعتبر بماضيه ليصلح شأن حاضره .. ويرقب مستقبله بكل جرأة وطمأنينة، ومن الخرف في الرأي أن يحزن على ما انسلخ من أيام صباه .. مع أن الحاضر أجدر بالاهتمام من الغابر، لاسيما أن المرء يضع فيه حجر الأساس لمستقبله ويبني فيه لغده.

وليس من الحكمة في شيء أن يعيش المرء في هذه الحياة كأنه ليس له من أيامه سوى ماضيه .. أو كأنه لا يرجو أن يرى من نعيم العالم إلا يومه .. أو كأنه لا يهمه من هذه الحياة غابر أو حاضر، إنما هو ينظر إلى المستقبل فقط .. بينما لكل من هذه الأيام الثلاثة قيمته .. ولعل الأمس أقلها شأناً في نظر العاقل، فقد ضمت صفحته إلى سجل الأبدية ولم يبق منه إلا ذكرى قد تصلح أو لا تصلح للاعتبار.

ومنا من لا يهمه إلا الحاضر فقط .. ولا يكترث إلا لليوم الذي هو فيه .. فهم يقولون: «اليوم خمر وغد أمر».. وآخرون يقولون :«افعل ما بدا لك في يومك ودع غدك وشأنه» .. ولكن صوتاً آخر يردد ويقول :«دع يومك وشأنه فلم يبق لك من عمرك إلا غدك».

أجل لكل يوم من هذه الأيام قيمته .. والعاقل منا من لا يفرط في تقدير قيمة واحد منها على حساب غيره .. فإذا عرض عليه واجب طلب منه تأديته فعليه أن يؤدي ذلك الواجب في يومه غير عابئ بما قد يجيء به غده .

فللغد أيضاً واجبات لن يعفى أحد منها على الإطلاق .. بل الواجبات سلسلة متصلة الحلقات .. وليس في وسع أحد أن يهمل أو يرجئ منها شيئاً من دون أن يجزى عن ذلك جزاءً عادلاً.

ولقد تستطيع أن تتناسى أمسك بعض الشيء وأنت آمن هنيهة ذلك الجزاء، بل قل إنك نجوت من ذلك الجزاء نجاة تامة .. فما أنت بمنجاة منه إذا تناسيت يومك ولم تكترث لحاضرك.. وثمة حقيقة لا مفر من الاعتراف بها على الإطلاق وهي أن من تناسى يومه فلا يمكن أن يعد من الذين يكترثون لغدهم .. واليوم كالأمس لا يلبث أن يضم إلى سجل الأبدية فلا تبقى منه إلا ذكراه مقرونة بالآهات والحسرات.

إن المرء يتقي الندم إذا وزن الوقت بمعيار الحكمة .. وقاسه بمقياس الرؤية .. فجعل لكل من الغابر والحاضر والمستقبل ماهو جدير به من حقوق وواجبات .. ولم يخلط بينها مدفوعاً بعامل الإهمال وعدم المبالاة .. فإن عاقبة هذا الطيش لابد أن تظهر أمام المرء عاجلاً أم آجلاً.. ولا ينجح في الحياة إلا من عرف قيمة الزمن وأدى لكل ساعة من ساعات الحياة حقها وواجبها .. والحياة إنما هي مجموعة حقوق وواجبات.. كل ساعة من ساعاتها ملأى بما لا يسع المرء إنكاره أو إهماله من الشؤون والواجبات .. فلنعتبر جميعاً بالأمس ولنكترث باليوم ولنرتقب الغد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى