نجوم عدن..مطاعم وولائم

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
تكنى عدن بـ «أم المساكين» تأتيها الطيور خمصى وتعود شباعاً، وفي أيام المجاعات في بعض أجزاء الوطن كانت تعج شوارعها بأصحاب المسغبة تهبهم البيوت من فائض الخير ما يكفيهم ويزيد حتى يأتي عليهم وقت يرفضون فيه الأكل ويطلبون النقد، وفي الحالتين يجدون ما يرضيهم لأن سكان المدينة يؤمنون بعمق أنه ما نقص مال من صدقة وأن الحسنة بعشرة أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.

وعلى عادة السكان سنّت مطاعم عدن سنناً حسنة في كرم الضيافة وحسن الوفادة تغرف من خير الله بتوزيع شيء من فضله، فلا خير في حياة كلها أثرة وليس فيها إيثار، وللمطاعم في وجداني أضواء لم تنطفئ ولم تخبُ.

خلف بيتنا في الخساف تماماً مطعم «البحر الأحمر» الشهير بقيادة الربان القادم من صنعاء علي محمد العرشي، وكان نموذجاً للحداثة والأناقة بجهاز الاسطوانات الصداح في الردهة الخارجية وأطقم المائدة الجذابة في المطعم الداخلي وجهاز صنع الآيسكريم اللذيذ، والفترينة الزجاجية لمعرض الكيك ، وكان الحاج العرشي نموذجاً للطيبة والاستقامة والبشاشة عرفته المدينة وهو يجولها على متن دراجته الهوائية وكانت «السلتة» والحرضة ماركة مسجلة باسمه.

بالأمس جاءني العتاب من دارسعد وبالتحديد من «فضيل» أشهر بائع لحم في ذلك الصقع الثاني آنذاك - أتحدث عن فترة ما قبل 35 عاماً أو تزيد - وقد حمله اليّ أخي محسن: كيف لا يكتب عنا وقد كان من زبائننا، والحق أن عملاق الوطنية اليمنية عمر الجاوي هو الذي أرشدني إلى فضيل ومطعمه - التحفة، فقد كان عمر إذا مرض، وكثيراً ما كان يمرض يقول لي: العلاج عند فضيل، وبعد ذلك جبنة قهوة عند أخواتي في الوهط، وكانت صيدلية فضيل من الغذاء الطبيعي الصحي أنجع علاج لآلام وأدواء عمر الصابر صبر أيوب.

ولفترة من الوقت استقر بي المقام بجنب مطعم «الاقبال» في ميدان التاكسي بكريتر أيام الوجبة الكاملة بثماني عانات، وكان صاحبه سالم عبده أحمد يافعي يعتبر نفسه رائد المطاعم الشعبية في عدن فقد أنشأه عام 1948، والآن لا يطيب لي أكل إلا في فرع الدكة - معلا عند عبدالله عبده أحمد الذي حفظ تقاليد الضيافة وأعلى مستويات الجودة كما تحفظ الأظرف العسل الدوعني الثمين.

مطعم «دي لوكس» في الميدان لم أجد له أثراً فقد تحول إلى محل لبيع الالكترونيات يملكه صديقي عبدالعزيز الذي كان يدير مطعم الشموع في خورمكسر، وكم لهذا الرجل من أياد وأفضال أيام الجوع السبعينية فقد كان يعدّ وجبته لعشرة أنفار ويالله يا رجال، وكان «الكتش أب» من مميزات «دي لوكس» ولي صديق كان يستهلك قارورة كاملة مع حبة بيض مقلية.

أما حسن ياسين صاحب مخبازة «التحالف» فقد كان دولة داخل الدولة يطالب الخزينة العامة بـ «اللكوك» من أرزاق جنود الجبهة القومية وعيال الحزب الاشتراكي الذين يأكلون اللحوم اللذيذة وهم يقرأون الكتب ويبسطون الدفاتر ويكتبون التقارير، ولا يشبهه في الديولة إلاّ «القلعة» بائع القات الشهير في مدخل سوق كريتر والذي كان الصقر يقف على شاربيه المبرومين، وكانت دفاترة ملأى بديونه على الناس وكانت له نظرة فاحصة مثل ميزان الذهب يعطي أحسن القات للمستضعفين من ضحايا النظام ويأخذ ما تيسر إن وجد ثم لا يعد النقود ولا ينظر إليها وإنما يرميها في «المغل» كأنك تعطيه الذي أنت سائله.

الحاج «بالو» في مخرج الشارع النازل من حوافي حسين إلى منتهى السوق الطويل المطل على الميدان كان محجة الآكلين في الليل «ولايتي» لا يمكن تقليده، أما أصحاب البسطات بجانب سينما «البينيان» وأمام سينما «مستر حمود» فقد كانت نيرانهم المشتعلة ولا نيران صخر أخ الخنساء، وكانت المدينة تسبح في روائح الشواء و«القلابات» التي يبعثونها في الأجواء .. وقل للزمان.. ارجع يا زمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى