أول زواج جماعي من نوعه

> عامر علي سلام:

> ما أجمل أن يستشعر الإنسان بقيمة سعادة الآخرين، وما أجمل أن تصنع الفرحة للقلوب المنكسرة التي آمنت بقدرها وتأقلمت مع وضعها، ولكنها بكل إصرار تعيش حياتها الطبيعية دون تمييز، وكثيرة هي الهموم والمصاعب التي تبادرت إلى ذهني وأنا أحضر أول زواج جماعي من نوعه (زواج شاب) من ذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين) في قاعة ديوان محافظة عدن، صباح الخميس 15 سبتمبر 2005 برعاية كريمة ولفتة إنسانية عظيمة لمؤسسة الصالح الاجتماعية للتنمية بالتعاون مع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين تحت رعاية د. يحيى الشعيبي محافظ عدن.

وأدركت حينها كيف يكون المعاق (معوقاً) في مجتمعه وكما يقال أن الإيمان بالقضاء والقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان الستة التي يكتمل إيمان المؤمن بها، وهؤلاء قد آمنوا بقدرهم لكن بإرادتهم صنعوا الحياة، وتخيلت كم هي صعبة تلك النظرة القاصرة حول المعاق من قبل بعض الناس، لكنني في تلك اللحظة الفرائحية وأنا أرى الشباب وقد تزينوا وتطيبوا والتفت (أجراز) الفل حول الأعناق، أنهم قارون على كسر العزلة والاستكانة والخضوع، واختفت عن ناظري العصي التي يستخدمون ولم أدرك أنهم جاءوا يحملون (العكاز).. لأن قلوبهم وفرحتهم أنستني بأي وضع معاق هم كانوا!! وأيقنت أن المعاق ليس معاق الجسد، بل المعاق معاق البصيرة والفهم والعلم والسلوك، هذا هو المعاق الحقيقي. وحتى أكون أكثر فهماً وإلماماً.. أدركت بصيرتي قبل بصري أن المعاق لا يقل أهمية عن الإنسان السوي جسدياً، بل إن من المعاقين الكثير من ضربوا لنا المثل الرائع والقدوة في إثبات أن المعاق قادر على العطاء والتميز والوصول إلى مصاف العباقرة والمبدعين .

وحينها فقط.. تذكرت شاباً معاقاً حركياً (التقيت به قبل 5 سنوات).. أكمل دراسته الجامعية وذهب إلى وزارة العمل للحصول على وظيفة ، خاصة وأن هناك قوانين أصدرتها الدولة في حصة المعاق من العمل والدراسة الجامعية أو الإعانة. وكان ذلكم الشاب طموحاً ..مثقفاً.. وعندما ناقشت مدير مكتب التوظيف في أحقيته في الحصول على وظيفة عمل، رد عليه ذلكم المسؤول بكل سخرية(اذهب وابحث لك على جولة تتسول فيها..!!) إذا الأصحاء (السويين) لم يجدوا عملاً.. كيف لي أن أعطيك وظيفة!!

حينها نعلم من هو (المعوق) الذي لا يفقه قولاً أو فعلاً وليس من وجوده أي نافعة ويعجز أن يساير نفسه أو مجتمعه في شيء سواء كان فاقداً لأحد أعضائه أو سليماً..، أدركت وللأسف وأنا قاعد أستمع للحفل الكريم.. وللكلمات في هذا الزواج الجماعي الأول من نوعه في خصوصيته وإنسانيته وعظمته، أدركت للأسف.. كم تكون الإعاقة كبيرة عندما يكون المجتمع (معوقاً) لأعضائه في الفه موالإرادة والمسؤولية!! ، وكما قال أحدهم:«رغم أننا أحياناً نكون على كراسي متحركة، لكننا لا نشعر بالإعاقة عندما تواجهنا بعض المعوقات سواءً في الطريق أو في الجامعة أو في أي مرفق، عندها نحتاج إلى وقوف الجهات المعنية والمجتمع بجانبنا لإزاحة تلك العوائق، كي نتمكن من الحركة بحرية»، والتفت نحوى شاب آخر وقال:«ربما أننا أصحاب أو ذوي احتياجات خاصة.. فإذا كانت حاجتي الخاصة الكرسي المتحرك أو العكاز، فأنت حاجتك الخاصة على سبيل المثال الأحذية التي تقيك الحرارة أو الشوك وما شابه ذلك .. وهكذا نكون جميعاً أصحاء ننتج ونعيش ونتزوج، وعندما يعيقنا شيء ما في حياتنا نكون معاقين، لأن الإعاقة - ياعزيزي- هي العقل والتفكير وليس في الأطراف» ، اندهشت كثيراً وأيقنت أن هؤلاء ليسوا معاقين وليسوا ذوي احتياجات خاصة، إنما هو المجتمع المعاق.. نحن الأصحاء والمعاقين أكثر إعاقة منهم .. وتكمن معظم إعاقة المجتمع في جهله وتجاهله لكثير من شرائحه المهمشة!!

ولنا أمل أن يتعافى المجتمع من إعاقته.. التي قد تغدو مع الزمن مستدامة، ويتحمل صندوق رعاية وتأهيل المعاقين مسؤولياته وتطبق القوانين والتشريعات التي كفلت حق المعاق في الإعانة والتأهيل والدراسة والتحصيل والعمل والعيش في مجتمعه.

وهكذا عندما يبدأ الآخرون في عد المستحيلات.. ابدأ أنت أيها الطموح (المعاق حركياً) المعافى ذهنياً.. في عد الممكنات!!

وألف مبروك لأولئك العرسان الشباب في زواجهم الميمون.. الأول من نوعه.. الأول في خصوصه وهم يصنعون المستقبل كيفما يشاءون.. وبإرادة صلبة يكسرون أوهام أي إعاقة.. مع شكرنا لكل من يصنع الأمل.. والفرح في عيون البسطاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى