زمن التناقضات

> حسام محمد سلطان:

> ما أكثر التناقضات التي تمر على المواطن العربي في حياته اليومية، فالإنسان العربي منذ اللحظة التي يستيقظ فيها من المنام حتى اللحظة التي يأوي فيها إلى الفراش يمر بسلسلة من التناقضات المحيرة تبدأ منذ تصفحه للصحيفة الرسمية التي تطفح بأخبار التنمية والإصلاحات والازدهار وسيادة القانون واحترام الدستور والمساواة والعدل إلى ما هنالك من قيم جميلة وأخبار تكفي لأن ترسم البسمة على كل شفة. ويصدق المواطن العربي المسكين بأن اليوم لا بد وأنه أفضل من أمس، وغدا أفضل من اليوم.. ثم ما هي إلا دقائق بعد تصفح الجريدة الرسمية حتى يرى النقيض لكل ما قرأ، مشاريع كالمنخل تتسرب منها الموارد إلى الجيوب الخاصة، قانون يطبق على فئة دون فئة.. قوانين قبلية جنباً إلى جنب مع قوانين دستورية حتى لا يدري الشخص البسيط لمن يحتكم للقبيلة أم للدولة أم للاثنتين أم أن الاثنتين كيان واحد؟.. وهكذا يمر اليوم وكل يوم ما بين عالم رسمي وهمي جميل وآخر حقيقي قاتم لا يبشر بخير. هذه التناقضات واضحة كذلك في مواقف الدول العربية من الأحداث العالمية، وتناقضها مع أوضاعها الداخلية، فالدول العربية كلها بلا استثناء تطالب أمريكا بكل أدب ولطف أن لا تكيل بمكيالين فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني مع أن هذه الدول نفسها تكيل بأكثر من مكيال مع شعوبها وحقوقها ومن دون الدخول في تفاصيل مملة.

حتى المصطلحات والألفاظ أضحت رديفة للنقيض من المعنى الأصلي، خذ على سبيل المثال الأمن بما فيه من أجهزة ومؤسسات أصبح رديفاً للخوف والقلق، فالمواطن العربي لا يخاف من شيء أكثر من خوفه من الأمن .. وعجبي. كذلك كلمة التخطيط إذا ذُكرت فلا يتبادر إلى الذهن - على الأقل في بلادنا- سوى الفوضى والعبث وقس على ذلك بقية العبارات الطنانة مثل الاستثمار والمنطقة الحرة والمواطنة المتساوية...إلخ.

قرأت منذ أيام عن الشاب العدني النابغة الذي لم تشفع له الموهبة الربانية والتفوق العلمي في الحصول على ما يستحقه وعلى ما كان سيتحصل عليه أي نابغة آخر في دولة تقدر المواهب وتسعى لتنمية الطاقة البشرية للشباب بصدق وإخلاص يهدف إلى الارتقاء بالبلد ككل، لم يعرف المسكين أن في زمن التناقضات هذا بوابة المنح إلى بريطانيا وكندا لا تمر عبر طريق النبوغ والتفوق العلمي ولكن عبر طريق آخر أبعد ما يكون عن العقول الفذة والمواهب المتقدة، وأقرب ما يكون من أصحاب المسؤوليات الجسام من الساهرين على توفير متطلبات العيش الرغيد لأبناء الوطن الحبيب الذين لولاهم لما تفوق المتفوقون أصلاً.

كما نقرأ في الصحف عن أراض تنتهب هنا وهناك ونزاعات بين أجهزة أمن ووحدات الجيش ومؤسسات اقتصادية تساندها وحدات عسكرية، وهي مؤسسات تابعة للدولة في نهاية الأمر، وبين مؤسسات مدنية نزاعات على أراض وعقارات .. ثم نقرأ في الصحف الرسمية أن الشعب الفلسطيني لا بد سيعود إلى أرضه التي انتهبت وأن الظلم لا بد سيرفع ولا مناص من تطبيق الشرعية الدولية والتوقف عن اجتزاء أراضي الفلسطينيين.. إلى آخر تلك التصريحات النارية. الطريف في الأمر أن هذه التصريحات تصدر من مسؤولين في الدولة نفسها التي تنازع الناس أراضيهم.

ويا زمن التناقضات هيا انجل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى