خصخصة وأطباء بلا حدود

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
من حق الأطباء ومن حق الكل دون استثناء في المستشفيات الحكومية أو المراكز الصحية المختلفة البحث عن مصدر رزق أو مصادر أخرى اضافية تعين صاحبها على مواجهة متطلبات حياتية ومعيشية لا طاقة للمعاش الشهري (الفتات) الممنوح لملائكة الرحمة من الدولة على حملها بل وحتى الوقوف أمامها، لكن هذا لا يعني التخلي عن كل شيء: الرحمة والمهنة والإنسانية والشرف والواجب والأمانة، أو أن تتحول المستشفيات وكل ما له صلة بالحكومي والعام وتحت مسمى زيادة الأجور والمداخيل أو تحسين الأوضاع المادية إلى هياكل فارغة من محتوياتها ووظائفها نحو المجتمع، الذي من أبسط حقوقه الحصول على العلاج والدواء في هذه المنشآت الصحية أسوة بخلق الله جميعاً على هذه البسيطة، ويخطئ من يعد الاستطباب المجاني ترفاً أو بدعة يصعب تحقيقها في الزمن الحاضر على اعتبار أنها من مخلفات الأنظمة الشمولية أو الاشتراكية فحتى في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تتبارى الحكومات والأحزاب المختلفة في سبيل ايصال الكثير من الخدمات العامة للمواطنين ومنها وفي المقدمة الخدمة الصحية الراقية.

الفهم القاصر لمعنى الخصخصة دفع الأطباء والكادر الصحي والفني بل والخدمة الصحية إلى هذه الحالة المزرية من الإهمال وغياب الوازع والرادع في جل المستشفيات والمراكز إلا من رحم ربي، وأبلغ دلالة لهذا التردي رؤية رجل مسن وهو يتلوى من الألم في مستشفى النصر بالضالع فيما الأطباء فارون من واجبهم، والعلاجات معدومة حتى من خيوط الجراحة، وأقسام المستشفى تسكنها الأشباح أو أشباه بشر ممن جاءت بهم الظروف الصعبة إلى مكان ليس بقادر على علاجهم مثلما لديه القدرة على قتلهم أو مضاعفة المرض والعدوى .. اسمه مستشفى والحقيقة انه مسلخ ومرض ويا ويل المريض غير القادر على الدفع إن قاده حظه أو ظرفه إلى بين شياطين بجلابيب ملائكة .. إلى أناس ليس لهم من المهنة سوى القميص الأبيض والسماعة المحمولة على العنق ومشرط الجزارة وغير ذلك كلها صفات دخيلة ومغتصبة لشرف وأمانة المهنة.

ليست المرة الأولى التي يتوفى فيها المريض بفعل الإهمال فلقد سبقته حالات كثيرة، وحتى لا نظلم ادارة المستشفى الحالية باتهامها في مسؤولية ما حدث ويحدث فلقد رأينا ما هو أسوأ من الوضع المتردي للمستشفى طوال السنوات الماضية دونما قدرة لأحد على وضع النقاط على الحروف. لم يقل أحد إن المستوصفات والعيادات والمخازن المحيطة والمنتشرة بكثرة مثل البعوض بجانب المستشفى أخذت منه كل شيء: الطبيب والممرض والصيدلي والفني وحتى الإداري والدواء .. جميعهم ومن صبح الله يباشرون أعمالهم في المنشآت الخاصة بلا أدنى خجل أو ذرة من ضمير، كلهم على حق ونحن فقط المزايدون الذين لا نفقه حقيقة أن الدنيا تغيرت والمهن تبدلت وأن الإنسان الشاطر هو القادر على استثمار الفرصة المتاحة ولا يهم التخلي عن بعض القيم والنظم مادامت المرحلة تتطلب الكسب غير المشروع.

في الختام لا بد من القول إن في العالم أجمع توجد خصخصة ومن حق الطبيب أو غيره العمل المشروع، لكنني ما وجدت قط قطاعا خاصا على هذه الشاكلة الموجودة في الضالع ولا بهذه الفوضى والخراب للمنشآت الحكومية، التي ذروتها إفراغ المستشفى من كافة العاملين، لا بل واستخدام أسرته وأجهزته وأدويته كدعم لوجستي للمستوصفات.. وطز بكم والنظام والقانون والشرف والمهنة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى