دموع خلف قضبان الوطن

> عيظة علي الجمحي

> عندما يحل الظلام نبحث عن ومضة نور، وعندما يشتد العسر نبحث عن لحظة يسر، وعندما تذرف دموع الأحزان نتمنى لحظة ابتسامة صادقة وصافية، وعندما تضيق صدورنا بالوطن نحلم بساعة الخروج وانبلاج الفرج.

عندما يتحول الوطن إلى سجن كبير لا تنمو فيه قيم الحرية والإخاء والاطمئنان ولا تتحقق بين جنباته الأحلام والآمال، يضيق الساكنون بهذا الوطن ويتمنون أن تأتي لحظة المغادرة والسفر إلى خارجه لمعانقة أحلام وآمال شاردة لعلها تتحقق خارجه.

الواقع مرّ أليم، شباب بالآلاف بدون عمل، خريجون من حملة الشهادات الجامعية توصد أمامهم فرص التوظيف، ثم ماذا بعد؟ الفساد كدر صفو الحياة اليمنية وحولها إلى جحيم، فلم يسلم مجال أو حال إلا وطاله وباء الفساد، وهذا ما أثر سلباً في شعور المواطن نحو وطنه، ويزداد هذا الشعور لديه كلما أبصر حفنة الفساد تستأثر بكل شيء وغالبية الشعب محرومة من كل شيء، فيتولد لديه إحباط قاتل بأن لا وجود له في هذا الوطن.

المواطن في بلادي محبط شارد الذهن قلق كئيب، ذلك لأنه غير آمن على نفسه أو على أسرته، الخوف يطارده، الفقر يكاد يقتله، هو يحلم بتحقيق حياة آمنة مستقرة لأولاده، ويرغب في أن يسكن أولاده أفضل الدور ويلبسهم أفضل الثياب ويدرسهم في أحسن المدارس، ويحزن عندما لا يستطيع تحقيق هذه الأحلام، فيظل هو وأولاده يسكنون العريش أو الخرابة أو الصندقة ويقطع أولاده المسافات البعيدة مشياً على الأقدام للوصول إلى مدارس حكومته المكتظة بالتلاميذ، بينما المسؤولون والمقربون يسكنون أفضل العمارات وفي أحسن المواقع وأولادهم يركبون أفضل السيارات وهم ذاهبون إلى المدارس الخاصة، أما أبناؤه الكبار فيرغبون في الدخول للكليات العلمية، ولكنهم يحرمون منها بسبب الوساطة وقلة ذات اليد، وأبناؤه ممن يريدون العمل والزواج والاستقرار لا يستطيعون أن يحصلوا على مبتغاهم فماذا هم فاعلون؟

لم يبق لهم سبيل غير السفر والهجرة إلى خارج الوطن، فعجبت أشد العجب أن يصبح السفر بما فيه من مشاق أمنية لليمنيين، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، فجحيم الوطن بالتأكيد أمرّ بكثير من آلام الفرقة ومرّ الغربة والدليل على ذلك أن الآلاف من أبناء هذا الوطن ما إن تلوح فرصة السماح بالسفر، إلا ويتدافعون إليها اندفاعاً غير عادي للتخلص من قضبان الوطن.

فكم من دموع خلف قضبان هذا الوطن تذرف بسبب الحرمان والفقر، انظر إلى وجوه الناس من حولك لترى حجم المأساة وهول المصيبة، وجوه اكتست بالأحزان والمعاناة فأصبح الكل شارد الذهن حزينا حائرا، فغابت المسرة وغاب الأنس عن حياتهم.

وإذا كان د. عبدالعزيز المقالح تساءل ذات يوم قائلاً «عادت طيور الأرض صادحة، فمتى يعود الطائر اليمني؟..».

فإن طيور الأرض قد استقرت في أوطانها بعد أن تأمن لها شيء في أوطانها، أما الطائر اليمني فلم يجد غصناً أخضر يحط فوقه أو حبة سنبلة يقتات منها، فظل الجميع داخل الوطن يهوون السفر والاغتراب لتحقيق الاستقرار المعيشي، وسيظل كل من في هذا الوطن يحلم بالسفر والاغتراب حتى يحقق هذا الوطن لأبنائه الاستقرار المعيشي المطلوب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى