التعددية الزوجية في القرآن

> «الأيام» ماتبعات:

> تعدد الزوجات من المواضيع الهامة التي أولاها الله تعالى عناية خاصة، فوضعها في أول سورة النساء من كتابه الكريم وجاء ذكر التعددية الزوجية في الآية الثالثة من السورة وهو الموضع الوحيد في التنزيل الذي ورد فيه ذكر هذه المسألة، لكن المفسرون والفقهاء كعادتهم في أغلب الأحيان أغفلوا السياق العام الذي وردت فيه، وأغفلوا ربط مسألة تعدد الزوجات بالأرامل ذوات الأيتام. لقد استهل الله تعالى سورة «النساء» بدعوة الناس إلى تقوى ربهم التي ختم بها سورة آل عمران السابقة «يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا وأتقوا الله لعلكم تفلحون» آل عمران 200، وبدعوتهم إلى صلة الأرحام التي انطلق فيها من رؤية واسعة إنسانية وليس من رؤية أسرية أو قبلية ضيقة، إشارة إلى أن أصل خلق الناس كان من نفس واحدة فيقول: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا. النساء 1 .

ثم ينتقل سبحانه إلى الحديث عن اليتامى ليأمر الناس بإيتائهم أموالهم وعدم أكلها فيقول:« وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيرا» النساء 2، ثم يتابع الحديث عن اليتامى آمرا الناس بنكاح ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع. في حالة واحدة هي الخوف ألا يقسطوا في اليتامى فيقول:« وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة أو ماملكت أيمانكم ذلك أدنى الا تعولوا . النساء3، ثم يمضي سبحانه في الآية الرابعة إلى الحديث عن صدقات النساء ومهورهن وفي الآية الخامسة إلى نهي الناس عن إيتاء السفهاء أموالهم ليعود مرة أخرى إلى اليتامى في الآية 6. لابد للمتأمل المنصف لآيات التنزيل أن يقف مدققاً أمام العلاقة النسبية التي أوضحها سبحانه بين موضوع تعدد الزوجات واليتامى.

إن الله تعالى لا يسمح فقط بالتعددية سماحاً، بل يأمر بها في الآية أمراً، لكنه يشترط لذلك شرطين: الأول أن تكون الزوجة الثانية والثالثة والرابعة أرملة ذات أولاد، والثاني أن يتحقق الخوف من عدم الإقساط إلى اليتامى وطبيعي أن يلغي الأمر بالتعددية في حال عدم تحقق الشرطين. وهذه الشرطية إنما جاءت من البنية القواعدية التي صاغها تعالى بقوله:« وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم النساء مثنى وثلاث ورباع » نقف خاشعين أمام قوله تعالى ماطاب لكم فحتى في حالة الأرملة ذات الأولاد نراه تعالى يشير إلى طيب النفس والخاطر عندها، تكريماً لها ولمشاعرها وتقديراً لمسالة الزواج من حيث المبدأ وكان له أن يقول (فانكحوا ما شئتم من النساء) لكنه قال« ما طاب لكم» فتبارك الله أحكم الحاكمين. هذا التوجه الإنساني في الآية قد يبعث الحماس في قلوب البعض فيبالغ في التماس مرضاته تعالى وهو لا يملك ما يقيم به أود أولاده وأسرته الأولى إضافة إلى الوافدين الجدد من زوجة ثانية وأيتامها ويصبح موزع النفس بين أولاده وبين واجبه تجاه اليتامى الوافدين مما قد يوقعه في عدم العدل بينهم وجاء الحل بقوله تعالى «فإن خفتم الا تعدلوا».

وهنا جاء الأمر الإلهي بعدم التعددية والاكتفاء بالزوجة الأولى في حالة الخوف من عدم العدل. أما ما يذهب إليه البعض إلى أن قوله يعني عدم العدل بين الزوجات في العلاقات الزوجية فهو تحريف لأن سياق الآية يحكي عن التعددية بمفهومها الاجتماعي الإنساني وليس بمفهومها الجنسي ويدور حول اليتامي والبر بهم والقسط فيهم ولأنه تعالى انطلق في أمره بالاكتفاء بواحدة من حيثية واضحة تماماً هي قوله «ذلك أدنى الا تعولوا» أي أن الاكتفاء بالزوجة الأولى أقرب إلى أن يجنبكم الوقوع في عجز العول والإعالة.

من الخطورة على المجتمع من خلال العلاقات الأسرية أن نعزل مسألة التعددية اليوم عن المحور الأساسي الذي ارتكز عليه الامر الالهي بالتعددية وهو محور اليتامى، ونجعل منه مسألة ترسخ الذكورية وتطلق يد الرجل بالزواج متى شاء كيفما شاء ومن الخطورة الاكبر أن نبتدع، كما يفعل بعض فقهاء اليوم مبررات للرجل تسوغ له الزواج بأربع تحت عناوين ركيكة حيناً مضحكة حيناً آخر ظالمة في كل الاحيان، قالوا إن عدم الإنجاب يبرر للرجل الزواج من ثانية وثالثة وكأن العقم والعقر من آفات المرأة التي لا تصيب الرجال. وقالوا إن الشبق الجنسي عند الرجل يبرر له التعددية وغفلوا عن أن الرجل والمرأة في هذه المسألة سواء، وقالوا.. وقالوا.. ونحن في مجتمع غير محارب يتوازن فيه تقريباً عدد الذكور بالإناث.

المشكلة في الفقه الاسلامي الموروث أنه في المسائل التي لا تتعلق بالحرام والحلال، لم يعر راي الناس أي اهتمام وموضوع الإحصاء والاستفتاء بعيد عن أذهان الفقهاء إن لم تكن غائبة لانطلاقهم من مُسلـَّمة أساسية عندهم، بأنهم بأحكامهم وفقههم يمثلون حاكميه الله في الأرض مما لادور معه لا للناس ولا لآرائهم.

الحرام عيني شمولي وأبدى، والفواحش من المحرمات والحلال مطلق لكن لا يمكن ممارسته إلا بشكل مقيد. لذا فالحلال فيه الأمر والنهي وفيه رأي الناس والاستفتاء والاحصاء والبرلمانات لذلك لا يمكن للحرام أن يحلل ولكن يمكن للحلال أن يمنع ومنعه لا يحمل الطابع الابدي الشمولي، وإذا حمل الطابع الشمولي والأبدي فهذا هو الحرام وهو من اختصاص الله سبحانه وتعالى حتى الرسل والأنبياء لا يحق لهم التحريم لقوله تعالى:« يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك».. التحريم1، وقوله تعالى موجهاً القول للذين آمنوا:« يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ».. المائدة87، ولمن تحدثه نفسه بالقيام بعملية التحريم قوله تعالى:«قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات» الأعراف 32. وقوله تعالى:« ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون».. النحل 116.. نخلص بأن الحلال والحرام حقان من حقوق الله ومن يمارسهما يكون معتدياً على حقوق اله وكاذباً ومفترياً على الله ولكن في حقل الحلال يحق الامر والنهي، وهكذا يظهر لنا مفهوم السنة النبوية انها اجتهاد في الحلال (امر ونهي) ولا تحمل الطابع الابدي.

من هنا نرى أن المجتمع هو الذي يقرر العمل بالتعددية أو عدم العمل بها، معتمداً في قراره إلى تحقيق شروط التعددية الواردة في الآية أو عدم تحققها، لكن عليه في الحالتين أن يعتمد الاحصائيات وآراء الناس فيستفتيهم في إقرار التعددية أو في إلغائها وفي كلا الحالتين لا يجب أن يحمل القرار الطابع الابدي نقطة أخيرة نختم بها القول في التعددية هي أننا إذا افترضنا أن بلدا ما قرر الغاء التعددية ثم قام أحد أفراده بمخالفة هذا القرار فالقانون يلاحقه بالتغريم لمخالفته نصاً قانونياً وقراراً اجتماعياً لكنه لا يعتبره زانياً أو مرتكباً فاحشة أبداً لأن المسالة لا تتعلق بالحلال والحرام وهكذا فلا يحق لأحد أن يقول أنه في حال منع التعددية الزوجية إننا نحرم ما أحل لله ما لم نقصد أن الزواج الثاني عبارة عن زنى وفاحشة والله حرم الفواحش وهذا الالتباس يمكن أن ينتج من جراء عدم التفريق بين الحرام والممنوع، وننتهي من مسألة التعددية كما وردت في الكتاب الكريم ليتجسد لنا مفهوم ملك اليمين الذي يتكرر 15 مرة في التنزيل الحكيم، وهذا يلزمنا أن نبحث من مدلول يتموضع فيه هذا المصطلح في عصرنا الحاضر والا أتى علينا حين من الدهر نجد فيه أن أكثر من نصف آيات الاحكام نسخت تاريخياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى