السبت, 28 يونيو 2025
275
في هذا البلد فقط الذي أنهكته الحرب وتوزعت فيه السيادة كما تُوزع فيه سِلال الغذاء من المساعدات الإنسانية المسروقة، نعيش مشهدًا عبثيًا خالصًا.
كل شيء ينهار والكل يشتكي
عضو في المجلس الرئاسي يشتكي ويطالب بحلّ الأزمة الاقتصادية، وزير في حكومة الشرعية ينشر بيانًا يرجو النظر في حال الناس، محافظ يرفع عقيرته وصوته مناشدًا الحكومة والمجلس الرئاسي بالتدخل.
جميل، لكن من المسؤول إذن؟
هل نحن بحاجة إلى مجلس رئاسي للحكومة؟ أم حكومة للمجلس؟ هل يجب أن نستقدم حكومة من الخارج لتحل أزمات حكومة الداخل؟
الطامة الكبرى أن هؤلاء من يسمون أنفسهم قادة، والمتصدرين للمشهد، يحرصون أشد الحرص على تقاسم ما تبقّى من الموارد، هم على درجة عالية من المسؤولية حين يتعلق الأمر بالمخصصات، يتقنون تقاسم الإيرادات، ويرسمون بمهارة خارطة النفوذ الوظيفي المناطقي والقبلي والزبائني، ويتنافسون في السفريات، والمؤتمرات، وتعيينات الأقرباء، لكن حين يصل الحديث إلى هموم الناس.. إلى الجوع، وانهيار العملة، وغياب الخدمات، يتحول كل واحد منهم إلى مجرد بوم ناعق، أو معلق سياسي، يُحلل الأزمة كما لو أنه يراها من خلف شاشة بعيدة.
في الشرعية اليمنية كل من جلس على كرسي حكومي صار قائدًا، لكنّ القادة هنا، لا عِلاقة لهم بالفعل ولا القرار.
يمارسون نوعًا من السياسة تُشبه التمثيل الصامت مع كثير من الإيماءات ولا شيء من الحركة. لقد نجحوا فعلاً في تحويل السياسة إلى مسرحية هزلية مفتوحة، كلهم أبطال في مشاهد الظهور، وكلهم كومبارس عندما تسقط الستارة وتبدأ الأسئلة الحقيقية.
الناس يختنقون، والسوق تشتعل، والرواتب تُصرف على الورق، والقيادات لا تزل تصدر البيانات، وتعقد الاجتماعات، وتعد بمزيد من اللجان.
هل تصدق أن بعضهم صار يطالب المجتمع الدولي بالتدخل؟ ليس لإنقاذ الشعب، بل لإنقاذهم من مسؤولياتهم.
لو كانت الكارثة في بلد يحترم نفسه، لاستقال نصفهم ولأُدخل النصف الثاني السجون، لكننا في بلدٍ يُكافأ فيه الفشل بالترقية، ويُغطى العجز بالمزيد من المناصب الشكلية.
وهنا باختصار يمكن القول: لا أحد يعرف من يدير هذا البلد، لكن الجميع يعرف من ينهبه، ولا أحد يتحمل مسؤولية الانهيار، لكن الجميع يتقن فن تقاسم ما تبقّى من فتات الموارد.
والمواطن أين هو من كل هذا؟ نعم إنه الوحيد الذي يُطلب منه أن يصبر ويصبر، ثم يُلام لأنه لم يصبر أكثر.