حضرموت..عادات وتقاليد

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

> تظل في ذاكرة الإنسان صورة حية لعادات وتقاليد شهر رمضان، وتتنوع تلك العادات بتنوع البلدان والمناطق وإن اختلفت، لكنها تبقى متحدة في جوهرها,ونسلط في هذا التناول الضوء على العادات والتقاليد المتبعة في حضرموت منذ أواخر شهر رجب مروراً بالليلة الأولى من رمضان وما تشهده من أحداث حتى آخر ليلة فيه.

يعيش الحضارمة في رمضان كبقية المناطق اليمنية، فلا يخلو الجو من الذكريات الأولى لعادات الأجداد العبقة برائحة البخور في المساجد والتمر على الموائد، فتتوهج لحظات الأجيال اللاحقة وضوحاً وقرباً من الأوائل ينعكس في قدرتها على التكيف مع أجواء الشهر الفضيل وطقوسه الخاصة.

الذاكرة الرمضانية المميزة تستمد حيويتها من العناصر العديدة التي يزخر بها هذا الشهر الكريم سواءً ما يتعلق بالشعائر والعبادات الدينية أو بالعادات الاجتماعية التي تشتهر بها كل منطقة من البلد الواحد.

المعراج وزيارة قبر النبي هود
البدايات التمهيدية لاستقبال رمضان تبدأ منذ ليلة الإسراء والمعراج في الـ 27 من شهر رجب، حيث تقرأ قصة الإسراء والمعراج للنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى وإلى السموات العلى وتقديم بعض التواشيح الدينية داخل المساجد مساءً.

ففي تريم تجري العادة أن يخرج الناس من المساجد ويتجمعون مع أكبر عدد من الأولاد ينشدون خلاله قصيدة التهويدة - أي النداء لزيارة ضريح النبي هود $ ويقف حافظ الأشعار المسمى بـ «الشلال» صاحب الصوت القوي في مكان مرتفع ليتلو مقاطع إحدى القصائد التوشيحية ليردد الحاضرون «هود يا هود يا هود»ثم تنظم مجموعة في مسيرة راقصة متماسكين بالأيدي يسمونها (الخماية) جمعها «خويب» كل خابة لها شاعر يتلو أشعاره على إيقاعات ضرب الأرجل على الارض ويبدأون بحكمة شعرية للمزارعين، حافظ الأشعار المعروف بـ «الشلال» يلقي قصيدة كاملة، بعد ذلك تمشي المسيرة الراقصة حتى تصل على شكل دائرة منتظمة.

يذهب الناس في الأسبوع الاول من شهر شعبان لزيارة قبر النبي هود $ وفيها تقام مراسيم الزيارة الدينية، والتي كانت منذ قبل الإسلام سوقا تجاريا، وفي أثناء الزيارة يتم التعارف بين مختلف الحاضرين وتجري في بعض الأحيان مناقشة موضوع من قبل رؤوساء المشايخ فيما بينهم لإجراء صلح.

ومن العادات التي يتبعها زوار قبر هود الاغتسال في مجرى الماء المتواجد في أسفل الجبل، ثم الصلاة ركعتين أمام (حصاة عمر)، بعد ذلك يتجه زوار قبر النبي هود إلى بئر (التسلوم) مرددين زجلا وأناشيد وأصواتا دعائية، ويتقدم الجميع عند البئر في مقدمتهم (المنصب) ومن حوله، وترفع البيارق وتقرع الطبول إلى أن يبدأ بالسلام على الرسل والأنبياء مبتدئاً بسيدنا [حتى يصل السلام على جبريل وآدم وأسماء الرسل والأنبياء والملائكة، فالجميع يرددون من ورائه من خلال كتيب، وأمام القبر يقفون ويسلمون وهم قيام على الأنبياء والرسل والملائكة مثل (السلام في بئر التسلام)، بعدها يتوجه الجميع إلى صخرة تعرف بصخرة الناقة، ومن هذا المكان يتم ترديد الأذكار وتنشد القصائد الوعظية، وتقرأ الفاتحة، وتختتم الزيارة التي تستمر أربعة أيام تتخللها ليالي السمر والألعاب الشعبية مثل رقصة الرزيح، بعد ذلك يرجع الزائرون من قبر النبي هود $ حاملين الهدايا والحلوى والكعك والمشغولات اليدوية والأواني الفخارية والتي تعد خصيصاً للزيارة.

رؤية الهلال
يخرج القاضي ومساعديه وبعض من الأعيان في ليلة الرؤية، حيث يتمركزون في مناطق مفتوحة لا تسدها الجبال لمشاهدة الهلال، وفي المدن يتم رؤية الهلال عن طريق فتحات مخصصة موجودة في الجدران يتم من خلالها تركيز النظر لرؤية الهلال من زاوية معينة كي لا يتوه الرائي في آفاق السماء الواسعة، وفي بعض المناطق يتم رؤية الهلال بواسطة الجروب المملوءة بالماء يتم وضعها على الأرض لينعكس منظر الهلال على الماء ويلتقطه الرائي له.

وتبدأ وقائع البهجة الرمضانية بليلة الرؤية وفيها يكون الترقب على أشده، وعندما تثبت رؤية هلال رمضان تطلق المدافع والعيارات النارية لسماعها في المدن إعلاناً ببدء شهر رمضان، أما في المناطق النائية فيتم إشعال النيران في أعلى قمة جبل لتتم رؤيتها في المناطق الأخرى لإيصال خبر إعلان الرؤية وهكذا يتواصل الاحتفاء.

وفي اليوم الأول تذبح الذبائح من قبل القادرين على ذلك وتوزع اللحوم على الأقارب والجيران ويمكث الناس في الليالي الأولى في منازلهم، ومن ثم يبدأون من اليوم الخامس في زيارة بعضهم البعض وتسمى هذه الزيارة بـ «المشاهرة»، حيث يتم تقديم التهاني والتبريكات بقدوم الشهر الكريم، فالمساجد تعد إعداداً مناسباً لاستقبال المصلين وتوفير الأجواء الروحية، وما يميز المساجد وبعض البيوت المقتدرة حرصها على إعداد موائد يومية يتعاون على إقامتها أبناء الحي ومن أهل الخير لتوفير الإفطار للصائمين من المحتاجين طيلة الشهر، ويحاول البعض الانفراد بخدمة مسجد بعينه حرصاً على مضاعفة الأجر.

الشعائر الدينية
يتم الترحيب بالشهر الكريم منذ الليالي الأولى ويستمر حتى الليلة السابعة عشر والحادية والعشرين ويحرص الناس على شعائر دينهم ويتمسكون بها، ويواظبون على أدائها طوال الشهر الكريم، وبحلول رمضان يصير التقليد المتبع تدارس تعاليم الدين والمواعظ وختم القرآن والاستماع إلى المدائح النبوية بعد صلاة التراويح وتستمر إلى وقت السحور، وينتهز الناس أيام هذا الشهر الفضيل لتلاوة القرآن الكريم وختمه كلا حسب طاقته.

وتجري التراتيب الخاصة والمعدة والمتفق عليها حسب الموعد المحدد عادة بعد صلاة العشاء، حيث يؤذن الإمام (معلم المسجد) ويرتب الخواتم وتقام الصلاة والبعدية (السنة) ومن ثم ينادي لصلاة التراويح.

والتراتيب يتم العمل بها في المساجد منذ القدم، إلا أنها تختلف من حيث الكيفية والطريقة المتبعة.

فعقب صلاة الوتر يجهر المصلون بأعلى صوت بقولهم:

«سبحان الملك القدوس .. سبوح قدوس رب الملائكة والروح». ويشهدون ويستغفرون جميعاً بقولهم: «أشهد أن لا إله الا الله نستغفر الله.. نسألك الجنة ونعوذ بك من النار" .. اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا يا كريم» ثم ينوون الصيام.

وتبدأ المدائح النبوية بألحانها الوترية المعروفة بـ «الزمزمة» ومن خلالها يردد الحاضرون الصلاة على النبي [ بألحان مختلفة يلقيها الملقي لتلك المدائح، تأتي بعد ذلك «الفرازية» وهي طريقة تعبر عن مدح الحبيب المصطفى وتؤدى بلحن خاص ويردد الحاضرون الصلاة على النبي، يليها دور (وقت القوافي) التي تشمل الوعظ والتذكير ومن ثم قراءة الدعاء وتختتم بالشهادة والاستغفار وترتيب الفاتحة لأصحاب الكتب والمتصدقين.

الختايم
الختامي أو الختايم هي عادة متأصلة من زمان دأبت عليها كل المساجد على التوالي وتبدأ في الثامن من شهر رمضان، وتجري العادة بمدينة المكلا بمباهج الختايم عقب صلاة التراويح ويتم الإعداد والتهيئة لها منذ وقت العصر، حيث يفترش الباعة الساحات المحيطة بالمساجد التي ستقام فيه الختايم عارضين بضاعتهم من ألعاب أطفال وحلويات لهذه المناسبة، إلى جانب نصب أراجيح الأطفال، وما يميز هذه الختايم هو اجتماع الكثير من أفراد الأسر الساكنة بالقرب من المساجد ودعوة أهاليهم وذويهم من كل مكان لمشاركتهم وجبة الإفطار والعشاء بهذه المناسبة.

وفي مدينة تريم تعقد الختومات بعد إكمال قراءة القرآن الكريم وتسمى بختم (الربع) لأن القرآن الكريم يختم خلال أربع ليال. وهناك مساجد يتم فيها ختم الست أي في الست الليالي خلال الشهر كله.

ويبدأ شرح الختومات في المساجد في الليلة الحادية عشرة وتستمر حتى ليلة التاسع والعشرين من الشهر المبارك ويقوم الأهل والأقارب والجيران بتبادل تقديم الدعوات خلال تلك الفترة المذكورة فيما بينهم لتناول الإفطار والعشاء.

وينتقل الأطفال عند إجراء الختم في العصرية من بيت إلى بيت لدى الناس الذين يقع الختم في مسجدهم، وتنشد الألحان «ألحان الختايم» وتوزع للأولاد والبنات الهدايا كفرحة لهم بهذه المناسبة.

وتقرأ في بعض المساجد الخطب منها خطبة «القائم» معظمها يقرأ ليلاً، وترتب الفواتح من قبل إمام المسجد، بعد ذلك يواصلون ما يعتادونه ليلاً من المدائح والموشحات والقوافي والدعاء. والقائمون على الختومات هم الذين لهم نسب أو صلة وعلاقة بصاحب المسجد ومؤسسه.

فالختومات التي تتم في العشر الأواخر من رمضان لها طابع خاص ومؤثر وتختلف عن الختومات التي قبلها، حيث أن معظم المصلين حريصون على حضورها والتي تقام في ليلة الحادي والعشرين وليلة التاسع والعشرين هي الليلة الكبرى الختامية التي تنتهي بها جميع الختومات في الشهر المبارك، ويأتي لها مصلون من خارج المنطقة لحضور الختم الكبير، فتكون تلك الليلة مسك الختام لشهر رمضان الكريم.

ويقام أثناء الختاميات تهليلة وفيها يتصدق المحسنون على موتاهم وهي عادة محببة.

أغاني الترحيب والألعاب الرمضانية
عادة يجلس الأولاد في الأيام الأولى من رمضان أمام المساجد ويحمل كل واحد منهم حجرة متوسطة تملأ كفه ويضرب بها على حجرة أخرى كإيقاع للأغنية عوضاً عن الطبل الذي لا يضرب في نهار رمضان ويغنون بتكرارها.

ومن الألعاب التي يلعبها الأطفال الصغار من الذكور في حواري المكلا منها ألعاب (البوش والمرقع) وهي من الألعاب التراثية. أما البنات الصغيرات فيمرحن وينشدن «يا ما صيميمية.. لقي بريمية» وتستمر هكذا حتى يحين موعد أذان الإفطار.

وهناك ألعاب رياضية حركية يلعبها الأولاد في رمضان، من تلك الألعاب لعبة (الشادون) تعرف بـ (الصوب) يحمل كل لاعب خشبة مخروطة بحجم الكف مثبتة بمسمار ومطوية بخيط طويل يمسك من طرفه ويقوم اللاعب من خلاله برمي طرفها لتدويرها على الأرض، ولعبة (الخية أو الخوية) يقصد بها النصيحة من الخطف، وهناك ألعاب أخرى منها (لعبة شحطك بعطك) وتعني القفز على الأحجار لأجل التغلب ، ولعبة (الرحنك) الشبيهة بلعبة الغلف ،ولعبة (الزاح) وتسمى (السري والهوس).

مدفع الإفطار
تروي كتب التاريخ أن مدفع الإفطار قد استخدم منذ الخلافة العثمانية، وأصبحت هذه العادة في كثير من الدول الإسلامية واعتاد أهالي حضرموت استخدام مدفع الإفطار كبقية البلدان في مشارقها ومغاربها، كونه ينبه إلى انتهاء الصوم وبدء فترة الإفطار.

المائدة الرمضانية
تحفل مائدة الأسرة الحضرمية في رمضان بأطباق مختلفة سواء في الإفطار أو السحور ولا تختلف كثيراً مناطق حضرموت في إعداد موائد إفطارها، ففي المكلا لا تخلو موائدها من السمبوسة والباجية والمقرمش والكراش أو الهريسة باللحم والخمري والبطاطا والمشبك والمقلبات بأنواعها، إلى جانب أكلات يعتادها أبناء حضرموت مثل العقيقة عبارة عن أكلة معدة للإفطار مع التمر المغموس بالزيت الجلجل، ويقدم الخبز بأنواعه المصنوع في المنزل والمعد بالتنور من الفخار، وتحرص ربات البيوت على تحضير أطباق عديدة منها (إدام) المقلي، واللحم المحمص المطبوخ بالزيت مع البهارات والصيادية بالأرز المطبوخ بالسمك، والإدام باللحم مخلوطاً بالخضار، وهناك أطباق جانبية منها (البراوطة) عبارة عن فطيرة معجونة بالبطاطس، والمطبق المحشي بالبيض، والباخمري (الخمير)، والمعصوبة، ومن الحلويات المكعك والكلس بالتمر الهندي، والدوم المربب بالسكر، والميليل بالسمسم، والباطسية والحلوى الحمراء والسوداء.

صوت المفلح (المسحراتي)
ومن العادات الباقية في معظم مناطق حضرموت المسحراتي ويعرف بـ (المفلح)، ذلك الرجل الذي يطوف الحارات في أوقات متأخرة من الليل يحاول جاهداً إسماع صوته الجهوري إلى كل أهل الحارة وإيقاظ أكبر عدد منهم ليتناولوا سحورهم استعداداً لبدء يوم صومهم، ويسير المسحراتي (المفلح) ضارباً طبله ومردداً الأناشيد والمواعظ والأدعية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فالمسحراتي ينشد في بداية أوائل الشهر الكريم مرحباً به بقوله: «رمضان جاء يا حيا به حامل عشاه في جرابه»، ومع نهاية الشهر الكريم يردد المسحراتي مودعاً لرمضان بقوله:«مودع مودع يا رمضان.. شهر العبادة وشهر الصيام .. عليك المحبة عليك السلام».

ويعد آخر يوم من شهر رمضان المبارك هو اليوم الذي يودع فيه الناس المسحراتي (المفلح)، حيث يقوم الأطفال قبل أن يتنفس الصباح بلبس ملابسهم الجديدة ليقوموا بجولة مع المسحراتي، وذلك لأجل وداع الشهر الفضيل، وغرض المسحراتي من جولته في وداع رمضان هو أخذ مكافأته المعتادة مقابل ما قام به طيلة ليالي الشهر بإيقاظ النائمين، حيث يقف أمام كل بيت مردداً إنشاده في وداع الشهر الكريم، حيث يعطي له الناس التمر والأرز والقمح أو النقود كفطرة له.

المراجع :
(الدليل القويم في ذكر شيء من عادات تريم) للمؤلف السيد حامد بن محمد بن عبدالله بن شهاب الدين(بتصرف).

(عادات وتقاليد رسمت بوشم الحضارة والتاريخ) للباحث احمد التميمي«الثقافية»- العدد 168) (بتصرف).

(الشهر الفضيل في وادي حضرموت) للكاتب محمد عمر جواس-«الثورة» العدد 13892)(بتصرف).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى