العبادة في شهر رمضان

> «الأيام» محمد بن علوي:

> شهر رمضان هو مظهر صادق لعبادات متنوعة، شرع فيه الصوم، وشرع فيه الصلاة، وشرع فيه الاعتكاف، وثلاثتها من صور العبادات التي شرعها الله عنواناً على تقديسه وعبادته في جميع رسالاته إلى خلقه، شرعها مادة تغذي الإيمان وأثراً واضحاً يرشد إليه.

فأما الصوم فقد كان من خصائص رمضان فيه فرضيته على المؤمنين، وقد أرشد القرآن إلى قِدمه بقوله: {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} وأرشد إلى حكمته بقوله {لعلكم تتقون} وأرشد إلى اختيار رمضان للصوم بقوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

وأما الصلاة فقد حكاها الله تعالى في كتابه عن الأنبياء والمرسلين، فإبراهيم $ يسكن ذريته بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم ويقول: {ربنا ليقيموا الصلاة} وعيسى $ يحدث عن نعمة الله عليه ويقول: {وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة} وينوه الله بشأن إسماعيل ويقول: {وكان يأمر أهله بالصلاة} ثم يوجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.

قيام رمضان
وقد خص الإسلام من الصلاة شهر رمضان بنوع يعرف عند المسلمين بصلاة التراويح، فعله الرسول [ وسلم مع الصحابه في رمضان، ودرجوا عليه من بعده واستمر المسلمون عليه من بعد ذلك إلى هذا اليوم، يحيون به ليالي رمضان ويؤدونها جماعة في مساجدهم، وبذلك كانت صلاة التراويح شعاراً تعبدياً عملياً خاصاً بشهر رمضان يهرع إليه المسلمون في مساجدهم، به تستنير القلوب وبه تضاء المساجد، وهي تؤدى عقب صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر ركعتين ركعتين مع استراحة بين كل أربع وأربع، بها يتحقق إحياء رمضان وقيامه وقد جاء فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسنن قيامه فمن صامه وقامه إيماناًَ واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» والمراد من الاحتساب أن يقصد به وجه الله دون رياء ولا سمعة، والاحتساب هو روح التقوى الذي تتقبل به الطاعات {إنما يتقبل الله من المتقين}.

الاعتكاف
أما العبادة الثالثة وهي الاعتكاف فهي أن يقيم المسلم في بيت من بيوت الله بنية حبس النفس، وهي الاعتكاف على طاعته وملازمة بيته تدريباً على تذوق الطاعات والبعد عن المغريات وقد جاء في قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} ودل على أنه شرع قديم قوله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام :{أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}وقوله: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} وصفته في المشروعات الدينية أنه سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان على سبيل الكفاية، ومعنى هذا أنه يطلب من جماعة المسلمين أن يكون فيهم من يقوم بهذه العبادة، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وقال بعض التابعين: عجباً من الناس كيف تركوا الاعتكاف وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض، والوجدان يشعر أن الاعتكاف فيه مع المراقبة والإخلاص تسليم النفس إلى المولى وملازمة عبادته في بيته والتحصن بحصنه، وقد نبه على المقصود منه وأماط الغطاء عن حقيقته ما قاله أحد المتذوقين لحلاوته: مثل المعتكف مثل الرجل يختلف على باب عظيم لحاجة، فالمعتكف يقول لا أبرح حتى تغفر لي.

تلك هي العبادات الثلاث التي شرعها الله في رمضان شكراً له على نعمة القرآن وتعويداً للنفس على ما يقويها ويرفع روحانيتها ويصل بها إلى مكانة الملأ الأعلى.

صوموا رمضان وقوموا ليله بمناجاة الله، قفوا ببابه ولازموا تقواه يكن كل ذلك عوناً لكم على القيام بالواجب وإصلاح الفاسد وتنظيم الشؤون والسير في طريق العزة والخلود: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} فهذا شهر القرآن الذي اختاره الله ليكون مظهراً لرحمته بعباده أنزل عليهم فيه القرآن الكريم، والقرآن هو كتاب الهداية السماوية الأخير الذي أكد تطهير العقيدة وتهذيب النفس وإصلاح العمل، وأرشد إلى كثير من سنن الاجتماع التي ترتبط بها سعادة الناس وشقاؤهم وحثهم على أن يسلكوا إلى السعادة سبيلها وحذرهم سبيل الشقاء {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ورضي الله عن الصحابة أجمعين والحمد لله رب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى