نجوم عدن..عمر قاسم العيسائي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
كان الشيخ عمر قاسم العيسائي قد اكتشف مبكراً الحكمة الذهبية في تنويع الاستثمارات كما هو الحال مع أصحاب محافظ الأسهم المحنكين في أيامنا هذه الذين لا يضعون بيضهم في سلة واحدة إذا جار عليها السوق أو رماها الزمن تحطموا معها وأصبحوا أثرا بعد عين، وقد كان هذا حال كثيرين لم يتطلعوا إلى أبعد من دكانهم أو سلعتهم الواحدة أو حتى مكان إقامتهم لا يريمون عنه ولا يحيدون. ففي النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي كان الشيخ قد عزز مركز بيع الجملة الرئيسي في شارع الشيخ عبدالله بكريتر، ثم فتح معرض شارع العسقلاني، وبنى واحدة من أجمل عمارات الشارع الرئيسي بالمعلا، أجمل شوارع جزيرة العرب آنذاك، واتخذ من الدور الأرضي الفسيح معرضاً لبيع الزجاج الذي كان يستورده من أوروبا لتغطية السوق اليمنية ودول الجوار إلى جانب عرض السجاد الحديث وفي وقت لاحق الأجهزة الكهربائية، وكان مصنع «كندا دراي» في جولة «كالتكس» قد اكتسح سوق المشروبات الغازية ويعمل بكامل طاقته، فيما الشركة العربية للسيارات قريباً من «كند دراي» توسع حصتها في السوق النامية، هذا بجانب الشراكة في المنسوجات الشامية التي كانت تتفوق على اليابانية في الجودة والاستجابة لحاجات السوق قبل أن تصاب بالسكتة القلبية بقرارات التأميم عام 1972. وفي وسط هذا النجاح الذي يغري أي رجل أعمال محدود المواهب بعدم النظر إلى ما هو أبعد لم تغب عن عين الشيخ السوق السعودية الواعدة التي حمل إليها بعض أمواله ليبدأ من هناك قصة نجاح أكبر وأوسع مدى، وقد كانت هذه الخطوة ملهمة كأنما يقرأ صاحبها في الغيب فقد انطفأ كل شيء في عدن فجأة عقب الاستقلال وصدور قرارات التأميم الجائرة التي حولت المدينة الدولية اللامعة إلى قرية تنام مثل الدجاج مع غروب الشمس، كما حولت النجاح إلى تهمة لأن الزمن كان زمن الفاشلين «زمانك زمانك.. يعرّفك بالناس.. وبالناس تعرف زمانك».. وببعد النظر هذا والإرادة الفولاذية والتوفيق من المولى جل وعلا تجاوز الشيخ خسارات عدن العبثية وتحملها كأنها قرصة بظهر جمل، فما عند الناس ينفد وما عند الله ليس له من نفاد، بينما قصمت تلك الأحداث الاقتصادية الجسام ظهور الكثيرين فأصبحوا من جماعة «عزيز قوم ذل».

في مثل هذا الشهر الكريم، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، كانت عدن تكتسي حلل النور وتزدان بالتلاوات يرتلها الآيبون إلى ظلال الله، الطامعون في رحمته وكرمه، وكانت الأسواق تغص حتى لا تكاد تجد موطئاً لقدم إلا بصعوبة، والأرزاق تتطاير من يد إلى فم كأنك في عالم الطيور، وموائد الخير تتنزل على الفقراء القادمين من التهائم والجبال كأنما هي موائد المن والسلوى، وكنت ألاحظ المحتاجين يذهبون زرافات ووحدانا من مسجد الشيخ عبدالله الملقب بـ «منطّق البقرة)»فهو من أولياء الله الصالحين، إلى مستقر الشيخ عمر على بعد أمتار قليلة ينتظرون «حق الله»، وكان حقاً مضموناً مصانا لا سؤال فيه ولا جواب، وقد أشار إلي أحد الدراويش المنتظرين من أصحاب «الودع»، وكان متمترساً على الأرض خلف سيارة ليقرأ لي حظي، وقد استنطق الودع وأنا مفغور الفاه من الدهشة بسني الاثني عشر فتنبأ لي بمال قارون وثلاث سيارات «أوبل» وما شاء له خياله الخصب ليستلّ ما في جيبي، وقد كان، فلم يُسل لعابه فأشار إلى حاجته إلى ملابس فأتيته بنصف ما لدي، فيما أنا أطير بين السحاب وأنظر إلى معروضات مخازن الشيخ عمر تحت أضواء النيون الباهرة فأحدث نفسي كأنني أخاطبه: سوف ترى.. سوف ترى.. أيش عندك يا مسكين. وقد عشت سنوات على هذا الحلم الجميل، ثم كان ثوابي قبض الريح وباطل الأباطيل.. كذب المنجمون ولو صدفوا.. نعم صدفوا «بالفاء» لأنهم لا يصدقون أبداً.

رعى الله ليالي عدن المباركة وتلك الوجوه لعلمائها ووجهائها ورجال أعمالها المرشوشة بالضوء «لم يكن وصلك إلا حلماً.. في الكرى أو خِلْسة المُخلتس».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى