هل الفدرالية هي الحل

> د. فضل الربيعي:

> أظهرت تجربة السنوات الماضية التي كثرة فيها قيام الانتخابات من رئاسية وبرلمانية ومحلية عدم جدواها وحقيقة الأمر أن ما جاءت به من نتائج لن تغير من الواقع شيئاً، وإنما كانت مصدر هدر للمال العام ومظهراً ديكورياً أقامته السلطة كمصدر من مصادر شرعيتها ، وتحسين صورة النظام في الخارج، بدلاً من أن تكون مصدراً للتعدد والاختلاف وقوة للمجتمع المدني.وإذا ما اعتمدنا وحدة التحليل لهذه التجربة هو مكونات المجتمع اليمني فإننا نقف أمام جملة من التحديات التي تواجه العملية الديمقراطية. ونجد أول تلك التحديات متمثلة بالبنية القبلية في المجتمع اليمني والتي مازالت تلعب دوراً كبيراً في البناء الاجتماعي، وأن كانت قد تورات ظاهرياً خلف نظم ومؤسسات الدولة الحديثة.

ولكنه في واقع الأمر لا تزال فاعله ومؤثرة في المسرح السياس، كما دلت عليها مجريات الأحداق السابقة التي شهدتها العملية السياسية.

وبرغم وجود برلمان منتخب منذ 1993 وتكرار انتخابة في العامين 1997م 2003م لم تلاحظ تقدم ملموس نحو تأصيل للثقافة الديمقراطية، لقد أثرة القبيلة ليس على عملية الانتخابات فحسب بل أمتد ذلك الأثر إلى بنية الاحزاب السياسية نفسها التي كان المؤل عليها إحداث التغير في المجتمع، وقد برهنت التجارب السابقة في الانتخابات النيابية والمحلية أن واحد من أهم المعايير التي اعتمدتها الأحزاب السياسية في اختيار مرشحيها لخوض الانتخابات كان المعيار القبلي فقد كانت تجرى الانتخابات والتصويت على المرشحين للبرلمان على أساس الانتماء القبلي، حيث مارست القبيلة سطوة غير محدودة على أبنائها في هذه الانتخابات وهو الأمر الذي يفسر وجود أعداد كبيرة من الشيوخ في البرلمان الحالي بسنة 33% تقريباً، وهذا لا يعني أن الأعضاء الاخرين من غير الشيوخ يشكلون النموذج الأفضل بل على العكس من ذلك إذ أن الانتخابات داخل الاحزاب السياسية والنقابات يتم التصويت فيها أيضاً على أساس الانتماء القبلي والمناطقي واحياناً إلى أبعد من ذلك كالتوريث كما أظهرت مؤشراته في انتخابات مؤتمرات أحزاب المعارضة مؤخراً. ولم تكن العصبية القبلية أكثر خطراً على المجتمع من العصبية الحزبية الضيقة المنغلقة التي أدت إلى صراعات دموية متكررة في المجتمع أكثر من الصراعات القبلية.

وهناك تحديات أخرى تواجهها الديمقراطية في اليمن كالطائفية من ناحية ومن ناحية أخرى نجد التحدي المتمثل بالمشكلة الجنوبية وهي المشكلة السياسية الأكثر حساسية في العملية السياسية، والأبرز في مكون المجتمع السياسي والتي يتعمد الكثيرون تجاهلها، فالجنوب يمثل ثلثي المساحة وحوالي 84% من الثروة ونسبة سكانه لا تتجاوز 16% بحسب أخر إحصائيات رسمية وإذا ما عدنا إلى جذر المشكلة اليمنية الحالية فإنها تعود إلى هذا المكون الذي يحمل في طياته جملة من الاختلاف. كما أن للثقافة التي كرسها النظام أثر كبير في ذلك والتي صورة بأن الجنوبيين انفصاليين وهي ثقافة منافية للحقيقة التاريخية.

إن الاختلافات والتباينات الطائفية والجنوبية- الشمالية والقبلية لا تسمح للديمقراطية بالنمو، بل تعد أبرز أوجه التحديات التي تواجهها. لا سيما إذا ما تمعـَّنا في دراسة التاريخ السوسيولوجي للمجتمع اليمني فنجد أن هناك تكريس لثقافة غير ديمقراطية وأن النظام السياسي لا يقوم على الديمقراطية، وإنما يقوم على الولاء.

وعليه فإن الديمقراطية بما فيها من تعقيدات، وبما تمثله من نمط اجتماعي ومسار ثقافي يستدعي من الساسة تغيير تفكيرهم في التعامل مع الوضع اليمني. الذي يفرضه التمايز المجتمعي الأمر الذي يتطلب تقديم التنازلات للداخل وليس للخارج وإعادة إنتاج نمط أخر من أشكال الحكم الديمقراطية غير المعتمد على الأغلبية العددية وإنما على مبدأ الاعتراف بأحقية الأخر بالاستناد على مبادئ التنوع باعتباره مصدر للوحدة وليس للتجزئة كما يفهمه البعض وحتى لا تتصادم مع مكونات المجتمع بل تطويرها من داخلها وبما لا يؤدي إلى خلخلت تلك البنى المجتمعية قبل وجود بنى حديثه تعتمد على الرسوخ الاجتماعي وتضمن عدم وجود فراغا قد ينعكس سلباً على المجتمع.

إن الاعتراف بالواقع أفضل من محاولة القفز عليه فالتعامل مع مكونات المجتمع باعتبارها أساس استقرار الحياة الاجتماعية، وأن تجاهلها يحدث إرباكاً حاذاً للاستقرار الاجتماعي في المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى تفسخ وحدته الاجتماعية.

وعليه فإن صياغة روى جديدة لنظام الحكم الديمقرطي تعد من الاوليات الملحة للخروج من دوامة تكرار إنتاج الازمات، فالمخرج الحقيقي- كما أتصور- لابد أن يستند على إعادة بناء عقد اجتماعي جديد يضمن الاستقرار والتطور للمجتمع من خلال إعادة شكل الحكم الذي يتوافق من مكونات المجتمع.

وحتى لا تكون الديمقراطية كرقصات البرع الاستعراضية في بلادنا، وبالتالي لا فرق بين مظاهر الاقتراع والاسراع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى