أيــام الأيــام..حول الاعتماد الإضافي

> د. عيدروس نصر ناصر:

>
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر
كعادتها تقدمت الحكومة بطلب لفتح اعتماد إضافي بالموازنة العامة للدولة لهذا العام المالي 2005، وكعادتها حرصت على التقدم بطلبها في مطلع سبتمبر، أي قبل أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء السنة المالية كما يقتضي القانون، فالحكومة في هذا الجانب حريصة أشد الحرص على تطبيق القانون تطبيقاً حرفياً ودونما أدنى مواربة، وكالعادة كانت الحكومة قد تصرفت بالمبلغ المطلوب الموافقة عليه قبل موافقة المجلس بل وحتى قبل التقدم بالطلب، في استهتار واضح ليس فقط بالمجلس وأعضائه الذين لا يدرك الكثير منهم حجم الصلاحيات المتاحة له ولا حجم الأمانة والمسؤولية الملقاتين على عاتقه، بل وفي استهتار واضح بالدستور والقانون اللذين يمنعان التصرف بأي مبالغ مالية إلا بالعودة إلى مجلس النواب.

ليس هناك جديد في موضوع الاعتماد الإضافي، فلا الحكومة كفت عن ممارسة هذه العادة القبيحة ولا مجلس النواب اعترض على الطلب من حيث المبدأ ولا يلوح في الأفق أن اللجنة المختصة ستوصي برفض الطلب أو أن المجلس سيرفضه بعد المناقشة في اللجنة أو في القاعة، فكالعادة ستنتقد اللجنة الطلب وتعتبره تجاوزا لنص القانون وستقول فيه بعض العيوب والمآخذ وربما قالت فيه ما لم يقله مالك في الخمر، ولكنها في الأخير ستوصي باعتماد المبلغ مع بعض التوصيات الشكلية التي ندرك مسبقاً أن الحكومة ستتعهد بتنفيذها ولكنها ستنساها بمجرد رفع الأيادي بالموافقة ومغادرة قاعة المجلس.

المتغير الوحيد والدائم في طلبات الحكومة لفتح الاعتمادات الإضافية هو تلك المتوالية الهندسية التي يسير وفقها تصاعد المبالغ المطلوب الموافقة عليها كاعتمادات إضافية، فقبل ثلاث سنوات كان المبلغ المطلوب اعتماده في حدود الثمانين مليار ريال وأكثر، وهو مبلغ كبير بلا شك لا يستجيب لنص المادة (31) من القانون المالي رقم (8) للعام 1990وتعديلاته، وبعدها بسنة قفز المبلغ إلى أكثر من مئة وثمانين ملياراً في تضاعف يساوي أكثر من مئة وعشرين بالمئة مقارنة مع السنة التي قبلها، أما هذا العام فقد وصل المبلغ المطلوب الموافقة عليه كاعتماد إضافي أكثر من أربعمئة وواحد وخمسين مليار ريال يمني، وهو مبلغ يساوي حوالي ستة أضعاف المبلغ المعتمد قبل سنتين فقط وحوالي 56% من إجمالي الموازنة العامة للعام نفسه 2005م.

مجلس النواب بمصادقته الدائمة على مخالفات الحكومة للقانون عاماً بعد عام كسب رضى الحكومة، ولكنه خسر سمعته أمام الناخبين والمختصين وخسر أكثر من ذلك هيبته أمام الحكومة نفسها، هذه الحكومة التي أصبحت تدرك أنها مهما خالفت القانون فلن يردعها رادع، طالما وأن ممثلي الشعب راضون بما تفعله بل ويصبغون كل مخالفاتها بالصبغة القانونية.

المادة (89) من الدستور تنص على أنه «يجب موافقة مجلس النواب على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة» ومعنى «يجب» هنا أنه لا يجوز العكس أي لا يحق للحكومة التصرف دون العودة إلى المجلس، أما الحكومة فقد فهمت هذا النص على أنه إلزام للمجلس بالموافقة على الخطأ والصواب.

أما المادة (31) من القانون المالي رقم (8) لعام (1990) فتنص على أن يحال أي مشروع اعتماد إضافي «إلى مجلس النواب، لا ستكمال الإجراءات الدستورية بشأنه، ويجب أن تكون الاعتمادات الإضافية في أضيق الحدود، وأن تقتصر على حالات الضرورة القصوى لمواجهة تجاوزات لا سبيل لتجنبها» وهذا يعني:

أولاً: أنه لا يجوز للحكومة أن تتصرف بريال واحد - ناهيك عن مئات المليارات - إلا بعد موافقة مجلس النواب، والأكثر من ذلك أنه لا يحق للحكومة أن تتصرف حتى بالمبالغ المعتمدة من حيث نقلها من باب إلى باب إلا بموافقة المجلس، والمجلس- للأسف الشديد - لا يعير أي اهتمام لهذا المبدأ القانوني.

ثانياً: أن أي مبالغ يتم صرفها خارج الموازنة ينبغي أن تكون في أضيق الحدود ومفهوم ماذا يعني (أضيق الحدود)، ولكن الحكومة تقدمت هذه المرة بطلب اعتماد مبلغ يساوي أكثر من 56% من النفقات التقديرية وأكثر من 67% من الإيرادات التقديرية للعام، وأكثر من 100% من موازنة العام 2000م وهو ما يتجاوز ليس فقط أضيق الحدود بل أوسع الحدود وأعرضها، وهو مبلغ يصلح لأن يكون موازنة لسنة كاملة لولا الفساد والعبث بالمال العام الذي يشكو منه الجميع دون أن يفعل أحد شيئاً للحد من انتشاره السرطاني.

ثالثاً: أن أي مبالغ يتم اعتمادها ينبغي أن تكون مخصصة للمجالات الضرورية التي لا مفر من الصرف عليها ولا سبيل لتجنبها، و«حالات الضرورة القصوى» يمكن أن تعني حالات الكوارث أو الحروب، لا سمح الله، أو انتشار الأوبئة، ونحن نعلم أن عندنا كوارث كثير وأوبئة أكثر لكن المذكرة التفسيرية لم تذكر شيئاً يتعلق بكارثة الفقر ولا بوباء حمى الضنك ولا بشلل الأطفال، بل سخرت الجز الأكبر من المبالغ المعتمدة لمواجهة قضايا مثل حتميات التنفيذ الفعلي، والتسويات الودية الخاصة بإنهاء اتفاقية بيع القطاع (53) والمؤتمرات والاحتفالات، ومديونيات شركة النفط لدى وزارة الدفاع، والأغرب من هذا أن هناك مبلغ مئتين وسبعة وثلاثين ملياراً لدعم المشتقات النفطية وهو مبلغ يتجاوز بمرات كثيرة المبالغ المعتمدة لسنة كاملة قبل رفع الدعم عن هذه المشتقات، ونحن نعلم أن الحكومة قد رفعت الدعم عن هذه المشتقات ولم يتبق إلا القدر الضئيل، وقيل إن هذا الرفع للدعم قد حقق للدولة وفرا بمئات المليارات.

مجلس النواب الذي كانت له مواقف محترمة يحق له أن يفاخر بها يقف اليوم أمام محك واختبار حقيقيين: إما أن يؤكد أنه مؤهل للإسهام في رفض المنكر والتصدي له، وذلك بعدم موافقته على هذا الاعتماد الإضافي والدعوة لتسخير المبالغ المستهدفة لصالح مشاريع التنمية، وإما مجاراة الحكومة في كل ما تسير عليه من خرق للقانون والدستور، وبذلك يؤكد ما يقال عنه بأنه مجلس غير مؤهل للمهمة التي انتخب من أجلها. وأتصور أن بمقدور المجلس أن يقف مع الخيار الأول دون أن يخسر شيئاً بل بالعكس سيكسب احترامه لنفسه واحترام الآخرين له بما في ذلك الحكومة التي دأبت على النظر إليه (أي المجلس) على أنه مجرد مجموعة من المتكلمين لا يقدمون ولا يؤخرون في شيء عندما يتعلق الأمر بالسياسات المصيرية للبلد.

عضو مجلس النواب

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى