علي ناصر محمد يكتب عن :العيد الوطني للإمارات..وعام على رحيل القائد زايد

> «الأيام» علي ناصر محمد:

>
مدينة ابوظبي
مدينة ابوظبي
تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بالعيد الوطني الذي يصادف الثاني من ديسمبر من كل عام، وبهذه المناسبة الغالية على قلوب أبناء دولة الإمارات وأبناء اليمن والعرب بصفة عامة يطيب لي أن أتقدم بخالص التهاني القلبية إلى الشعب الإماراتي الشقيق وإلى قيادته الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله.

تأتي هذه الذكرى العزيزة هذا العام بغياب الرجل والقائد المؤسس الذي بنى دولة الإمارات المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وطيب ثراه، فبنى نهضتها الحديثة، وجعلها في مصاف الدول العصرية في زمن قياسي، ونشر في ربوعها الخير والمحبة والأمن والسلام. فكان رحمه الله بهذا من طراز أولئك القادة التاريخيين الذين يرتبط بأسمائهم بناء الدول، إذ كان الراحل الكبير صاحب مشروع نهضوي لبناء الدولة والمجتمع، وقد وضع ذلك المشروع نصب عينيه وتمثله في كل وقت، وسخر في سبيله الوقت والجهد والمال حتى أصبح واقعاً وحقيقة ماثلة للعيان.

كان الشيخ زايد رحمه الله، زارعاً للخير أينما اتجه فحصد وجنى هو وأبناؤه وشعبه الخير الذي امتد إلى كل ركن ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، بل إلى سائر أنحاء المعمورة. ومن زرع الخير وجده.. ومن زرع الشر وجده. وكان رحمه الله زارعاً للخير والمحبة، أما أولئك الذين يزرعون الشر فلن يحصدوا إلا الشر الذين زرعوه.

رحل الشيخ زايد رحمه الله، ولكنه ترك وراءه إرثاً عظيماً سيخلده التاريخ، وترك خلفه دولة يسودها القانون، وتنعم بالأمن والاستقرار والتطور لا مكان فيها للأحقاد ولا للضغائن والناس فيها متساوون.

كان كريماً بدون من، وسخياً بدون ادعاء، ويده البيضاء طالت كل مكان بما في ذلك بلادي اليمن حيث أعاد بناء سد مأرب العظيم.. وفي هذه المناسبة تحضرني أبيات الشعر التالية التي تختزل الموقف كله لأن فيها حكمة الزمان، وتصدق كل الصدق على الرجل الذي اتفق العرب المعاصرون على اختلافهم بأنه كان حكيم العرب..

الرئيس سالم ربيع علي ورئيس الوزراء علي ناصر محمد اثناء استقبال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مطار عدن الدولي عام 1976
الرئيس سالم ربيع علي ورئيس الوزراء علي ناصر محمد اثناء استقبال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مطار عدن الدولي عام 1976
«على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكريم المكارم

وتكبر في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم»

لقد مضى عام على رحيل القائد والزعيم العربي الكبير الشيخ زايد.. وها أنذا أعود إلى ابوظبي عاصمة الدولة التي بناها للمرة الأولى دون أن يكون فيها الرجل الذي بنى نهضتها الحديثة لبنة لنبة، وزرع جنتها شجرة شجرة، ونقلها من حياة البداوة والصحراء إلى مصاف المدن العالمية المزدهرة والجميلة.

ها هي الطائرة تقترب من مطار ابوظبي الدولي، المضيف يعلن: نحن الآن نحلق في سماء ابوظبي.. من «الكابينة» شاهدت المدينة تتلألأ بأنوارها الرائعة، في كل ضوء كنت أشاهد صورة زايد.. ونور زايد الذي حول هذه الصحراء والمستنقعات إلى مدينة من أجمل وأنظف مدن العالم وأكثرها نموا وأمناً واستقرارا.. وكانت حكمته في ذلك بسيطة وعميقة في نفس الوقت. حيث يوجد العدل يوجد الأمن ويعم الاستقرار وتسود المحبة.

وقد نشر العدل في كل ربوع دولة الإمارات العربية المتحدة، وحمل في قلبه وضميره قضية شعبه وأمته، وسلم الخليفة خليفة دولة موحدة مزدهرة ليس عليها ديون ولا تخاف من المستقبل، وبحكمته الاستراتيجية ورؤيته العميقة النافذة تمكن من بناء هذه الدولة لبنة لبنة، وأشرف بنفسه على تطويرها واستطاع أن يصل بها إلى بر الأمان في زمن صعب، سريع التغيرات، وفي منطقة حساسة جداً، يحيط بها الأعداء وتحاك عليها وحولها المؤامرات من كل صنف، ولكنه بحكمته المعهودة، وحصافته المشهودة جعل الإمارات بمنأى عن كل الشرور وكل الأعداء، وجعل من الثروة نعمة يعم خيرها الجميع بدلاً من أن تكون نقمة على شعبه وأمته كما فعل آخرون ضلوا سبيل الهُدى وطريق الرشاد فكان في ذلك قدوة ومثلاً يحتدى.. وفي هذا ينطبق عليه القول المأثور :«حكمت فعدلت فنمت».. كما كان الخليفة العادل عمر بن الخطاب.

الرئيس علي ناصر محمد يهنئ الشيخ زايد بن سلطان بالشفاء - ابوظبي 2001
الرئيس علي ناصر محمد يهنئ الشيخ زايد بن سلطان بالشفاء - ابوظبي 2001
عام مضى، منذ غيبت إرادة الله زايد الخير.. ولكنها لم تغيب عنا إنجازاته الضخمة والشاهدة له في كل مكان، في عيون وقلوب الناس.. في عيون الأطفال، وفي عيون الرجال والنساء الذين أحبوه، وأحبهم .. أكبر وأعظم استثمار أنجزه، استثمار الإنسان قبل استثمار المصانع والمزارع والأبراج الشاهقة التي تنطق كلها بأنه كان رجلاً وقائداً تاريخياً عصرياً بكل ما تحمل كلمة التاريخ من معنى، وما تحمل كلمة العصر من دلالات.. حتى ولو كان قادماً إلى العصر من أعماق الصحراء. أليست هذه الصحراء بالذات هي التي أنجبت الأنبياء والعظماء؟ ومن هذه الصحراء ألم ينطلق نور الهدي والإيمان، لكي ينير ليل المعمورة الدامس؟!

ثمة رجال يكبرون بالوطن، ووطن يكبر به الرجال. وكان زايد من طراز أولئك الرجال الذين يكبر بهم الوطن، إذ جعل من دولة الإمارات ملء السمع، وملء البصر، وملء الدنيا في زمن قصير لا يتجاوز العقود الثلاثة.

ثمة أماكن تبقى في الذاكرة، وثمة رجال لا يمكن أن تنساهم مهما طال الزمن أو غيبهم الموت. وقد كان الشيخ زايد من طراز أولئك الرجال. إذ تعود جذور علاقتي به رحمه الله إلى نحو أكثر من ثلاثين عاماً، وتحديداً إلى مارس عام 1974م، حيث التقيت به لأول مرة أثناء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في مدينة لاهور بباكستان.. ومنذ ذلك الوقت أحببت الشيخ زايد، وتعززت علاقتي الشخصية به وكذلك علاقات بلاده ببلادي اليمن وحتى وفاته رحمه الله وأسكنه أعلى مراتب الجنة. وكان هذا اللقاء هو بداية التعاون والتفاهم بين عدن وأبوظبي، وتوج فيما بعد بزيادته التاريخية لعدن منتصف السبعينات حيث كسر بحكمته ورؤيته الاستراتيجية جدار العزلة بين عدن ودول الخليج. ويمكن إدراك أهمية تلك الزيارة إذا أخذنا في عين الاعتبار الظروف السياسية التي تمت فيها حيث كانت الصراعات والحرب الباردة هي التي تتحكم في منطقتنا وفي العالم.

وكان لهذه الزيارة معارضون كما كان عليها تحفظات من البعض إقليمياً وحتى محليا، وربما أيضاً دولياً، ولكن رؤية الشيخ زايد هي التي انتصرت في الأخير، وصار لليمن الديمقراطية أفضل العلاقات ليس مع دولة الإمارات العربية وحدها بل مع بقية دول الخليج العربية.

مازلت أذكر أنه قال في لقائي الأول به في لاهور: « لقد منحنا الله الخير والثروة، فهي لنا ولكم وللأمة العربية والإسلامية». ورغم أنه كان يعلم بأن عدن منحازة للمعسكر الاشتراكي..لكن ذلك لم يجعله يأبه بأن يقول ما يقول، لأنه كان مقتنعاً به كل الاقتناع، وترجمه إلى فعل وسياسة دأب على اتباعها طوال حياته، ولا يزال خليفته صاحب السمو الشيخ خليفة حفظه الله سائرا على نهجه القويم والرشيد.

وأذكر أنه حينها قال لي: علينا أن نستفيد من العلاقات والتعاون مع الدول العظمى لمصلحة شعوبنا ومنطقتنا العربية والإسلامية.. وحينها كانت بعض الدول تناصبنا العداء ونناصبها بسبب الظروف والتطورات التي كانت قائمة في المنطقة وفي العالم مما هو معروف ولا يسمح الحيز بالحديث المطول عنها في مناسبة كهذه.

ولكن أستطيع القول إن حكمته ونصائحه كانت على الدوام مثار تقديري واحترامي وهادياً لي في العديد من الظروف والكثير من الأوقات، وكانت على الدوام تثبت صحتها.. فما أحوج الأمة إلى حكمته في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها في هذه الأوقات الصعبة.

الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان يستقبل الرئيس علي ناصر محمد - ابوظبي 1998
الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان يستقبل الرئيس علي ناصر محمد - ابوظبي 1998
لقد خسرت بوفاته أخاً كبيراً، وخسرت الأمة العربية قائداً حكيماً وفلتة من فلتات الزمان قلَّ أن يجود بمثله.. كان أبا ليس لأبناء الإمارات وحدهم بل لكل العرب والمسلمين والمحرومين، ناصراً لقضايا الحق والعدل ، ليس بالكلام وفي المقدمة قضية الشعب العربي الفلسطيني بل بالفعل.. فقد وصل خيره إلى كل مكان، ونشر روح المحبة والتسامح والتصالح بين شعوب المعمورة، حتى أنه استحق أن يطلق عليه عن جدارة زايد الخير.

وهل مثله يُنسى.. كان علي أن أزور ضريح الفقيد الكبير، وكان ذلك يوم عيد الفطر السعيد لكن الحزن كان يكتنف قلبي رغم العيد.. ولم أكن وحدي بل إن الآلاف الذين كانوا يزورونه في قصره للتهنئة بالعيد كانوا الآن يتدفقون بملابسهم البيضاء على ضريحه كأمواج البحر ليلاً ونهاراً ، يقرأون الفاتحة على روحه الطاهرة، ومعهم كنت أتلو الفاتحة وأطلب له المغفرة من الله الغفور الرحيم.

لقد ترك زايد في قلوب الناس الخير والمحبة وروح التسامح، ونشر بينهم الأمن والاستقرار والحياة السعيدة التي تنعم بها دولة الإمارات بقيادة خليفته وابنه البار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة الذي يسير على نفس النهج الذي أرساه والده لهذه الدولة.

عام مضى على رحيل زايد، وستمضي سنون أخرى لكنه سيظل في قلوب الناس الذين أحبوه وأحبهم إلى الأبد.. وهل مثله يُنسى؟!

وهكذا العظماء يخلدهم التاريخ..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى