الاستقلال

> علي سالم اليزيدي:

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
أهم ما نعرفه عن الاستقلال وما تعلمناه في المدارس يوم كنا نبحث عن الاستقلال هو أن يكون الاستقلال الحقيقي استقلالاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في ذلك الحين، أما الآن فهو السيطرة على الثروة وعدالتها، وعندما صرخ الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر عند زيارته للعاصمة الشقيقة صنعاء في غمرة دعم الثورة آنذاك في اليمن والجنوب يغلي والوعي التحرري مكتمل وناضج ويربط الوطنيون ورجال التحرير آنذآك الاستقلال السياسي بمعنى خروج الاحتلال، وكانت الصرخة القوية لعبد الناصر بدعم ثورة الجنوب الثائر، وقال الفنان الراحل عبدالحلليم حافظ في أوبريت (وطني الأكبر): بفلسطين وجنوبنا الثائر حنكملك حرياتك يا وطني الأكبر. ولا نريد هنا أن نعيد التاريخ المعروف للجميع للكفاح العربي من أجل الاستقلال السياسي ابتداءً من جلاء الإنجليز عن مصر وامتداد الموجة التحررية إلى السودان وتونس والجزائر وثورة الفاتح من سبتمبر في لبيبا وثورة اليمن في 26 سبتمبر 1962 ثم ثورة الجنوب اليمني في 14 أكتوبر 1963 إلى استقلال دول الخليج ودول أفريقية وآسيوية رافقت الكفاح العربي وتعزز الاستقلال الوطني هنا وهناك.

وأمام هذا الاستقلال العربي واستقلال الجنوب الثائر الذي اعتبر حينذاك أحد أهم دعائم الوطن العربي بعد ثورة الجزائر وما مثلته الثورة في الجنوب من اتساع كبير شعبي وسياسي وارتبطت بكل منزل وناد ومقهى وجماعة شبابية وجيش وشرطة، قالوا عن الثورة في عدن، إنها من دروس بارزة للثورات وحركات التحرر في المنطقة العربية وآسيا وأفريقيا، وتوقف ولا زال يتفحصها بدقة باحثون ومفكرون وسياسيون ومراكز، وكتب عنها خصومها بامتياز وإنصاف، وظهر ذلك في مذكرات آخر مندوب سام بريطاني في عدن وهو المستر همفرى تريفليان، وكذا رجال التحرر في العالم، وحتى لا نقسم الثورات ولا كفاح الوطنيين في عدن وجنوب اليمن آنذاك، ونخلي الساحة من كل المناضلين الثوريين، فقد تكاتفت قوى عديدة من المجتمع والمناطق حتى يأتي الاستقلال، ودفع كل الجنوب التضحيات ولم يأت ذلك اليوم بتقبيل الأيدي، أو الخطابات الاستعراضية أو بدفع الأجر لقوم ليأتي إلى السلطة قوم آخرون، وأيضاً لا يمكننا هنا في عجالة وبجرة قلم أن نقفز أو نفصل محطات الثورة واحدة واحدة ونقف أمام الأسماء ورجال الاستقلال والشهداء والفدائيين والأقلام والشواهد بسرعة، كلا، لا بد من القول بأن عدن قدمت من التضحيات ما لا يوصف والتهبت الجبهات في الضالع ويافع وحضرموت والحواشب والعقارب ودثينة الباسلة وجعار وشباب المهرة.. كان شعار إلى وحدة الصف يا شعب الجنوب، حياً وحقيقياً ووجدانياً، كنا نكتبه على جدران المدارس والمباني في الشوارع والأحياء وأمام الجنود الإنجليز حتى نغيظهم في عدن ومودية والحوطة، لم يفكر ثائر أو فدائي ولو حتى في المنام بالخروج إلى عاصمة أخرى والتشدق باسم الجنوب أو إجراء المقابلات في الاذاعات والصحف الأجنبية مدعياً أنه الوصي الوحيد على الجنوب وأهل الجنوب وثورة الجنوب، الميدان كان الفيصل والتضحية والمواجهة هي الأساس، ولم يكن الجنوب يؤمئذ معروضا للبيع لمن يشتري، فقد أعلن أهل الجنوب الثائر الكفاح المسلح والمقاومة والنضال والبقاء على الأرض، وليس الفنادق في الخارج هو الطريق الحقيقي للاستقلال، وكنا نصرخ بصوت واحد: الاستقلال، وكانت هذه الصرخة ترافق صوت المدفع حقاً.

إننا هنا نستذكر فحسب كيف كنا نبحث عن الاستقلال الوطني للجنوب الثائر في نطاق الأمة العربية، ونقارن بين موقفنا عندما كنا نصعد جبل الاستقلال وبين موقفنا الراهن ونحن نتدهور من أعلى إلى أسفل، إننا نتأمل الموقف العربي في العراق المشتعل والمحتل من القوات الأمريكية وسوريا المستهدفة والسودان ومسلسل انفصال الجنوب وما نتج عنه بعدئذ ومن ثم حكاية دارفور وخنوع كل الدول العربية لأحلاف أمريكا ودور إسرائيل فيما يشبه العصا تؤدب به العصاة من العرب، نحن نتمرغ كالفريسة وسط شباك الصياد لا استطاعت الخروج ولا طالت يدها ثروتها وتوازنها .. ومع عودة ذكرى استقلال الجنوب اليمني الثائر، والدولة المستقلة بعدئذ ثم دولة الوحدة الراهنة، ما هو المشهد الذي يطيب الحديث فيه؟ اقتصاد يتأرجح، ومساواة ضعيفة وتتهاوى، نزاعات سياسية والتقشف كلمة مضحكة على الشعب، القدرة على ضرب الفساد مستحيلة، والتفكير في عدالة توزيع الثروة من الإعجاز، وأمل كبير لإصلاح شامل واقتراب حقيقي من أهداف الاستقلال يومئذ وتطلعات الاستقلال وبواقعية سياسية، وحتى يتوقف التجميد السياسي واللجوء السياسي والوقف السياسي.. وها هو صوتنا لازال يصرخ: نريد الاستقلال من كل ما أصابنا من انتكاسات وخيبات، وأصبحنا متفرقين وخصوما في الداخل والخارج، والبكاء على الأطلال المدمرة في كل زاوية عربية يتواصل، ومع هذا لازلنا نريد الاستقلال .. ولكن قبل ثلاثين عاما من الآن كنا نعرف الطريق إليه، أما اليوم فمن يدعي معرفة الطريق؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى