مع الأيــام..علي ناصر يتحدث في ذكرى الاستقلال المجيد

> علي ناصر محمد:

>
علي ناصر محمد
علي ناصر محمد
يطيب لي في البداية أن أتقدم بأحر التهاني القلبية وأطيبها إلى أبناء الشعب اليمني الكريم بمناسبة ذكرى الثلاثين من نوفمبر، عيد الاستقلال المجيد للشطر الجنوبي من الوطن.. ذلك النصر العظيم الذي صنعه نضال الشعب اليمني وتضحياته الجليلة منذ الاحتلال وحتى الاستقلال.

لقد جاء الاستقلال ثمرة كفاح عنيد، ونضال سياسي خاضه الشعب بمختلف قواه الوطنية والسياسية عقب اندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة وقبلها، وجاءت الثورة تتويجاً لرحلة كفاح طويلة، وانتفاضات بطولية مريرة، شعبية وقبلية، اندلعت في كل مكان من أرض الجنوب اليمني الثائر.

ويمكنني أن أشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى انتفاضة بيحان (47-1948)، وانتفاضة دثينة (53-1954)، وانتفاضة العوالق العليا والعوالق السفلى (1946)، وانتفاضة الواحدي (1941)، وانتفاضة الربيزي، وانتفاضة الصبيحة، وانتفاضة العواذل (46-1947)، والانتفاضة في الضالع وردفان والشعيب (47-1957)، والانتفاضة في الفضلي (56-1957) وانتفاضات حضرموت الساحل والداخل والمهرة (44-1955)، والانتفاضات في يافع والحواشب وغيرها، مما لا يتسع المجال لذكرها جميعاً، ولكنها جميعاً كانت المقدمات والإرهاصات التي قادت إلى الثورة المسلحة ومن ثم إلى الاستقلال.

كما أن الاستقلال كان ثمرة النضال الذي قادته القوى الوطنية السياسية والاجتماعية وسائر فئات المجتمع من أحزاب سياسية، ونقابات عمالية، وجمعيات أهلية، وشخصيات اجتماعية، وثقافية، ودينية كالجمعية العدنية، والجمعية الإسلامية، ورابطة أبناء الجنوب العربي، والجبهة الوطنية المتحدة، وحزب الشعب، وحزب البعث، والأحزاب القومية العربية، واتحاد الشعب الديمقراطي، ورجال الدين والصحافة وحملة الأقلام الشريفة، والشعراء والمثقفون والفنانون، وبعض السلاطين الأحرار.

ولا يمكن أن ننسى دور النقابات، والحركة العمالية، والطلاب، والمرأة، والتجار في هذا النضال، الذي كان لكل مرحلة من مراحله ظروفه وخواصه، لكنه في مجمله وخواتمه كان يصبُّ في النهر العظيم لكفاح الشعب من أجل الحرية والاستقلال الذي قادته الجبهة القومية وجبهة التحرير حتى النصر.

وأغتنم هذه المناسبة الغالية، فأحيي أرواح الشهداء الأبرار وأسرهم، ومناضلي حرب التحرير من أجل الحرية والاستقلال، من انتقل منهم إلى جوار ربه ومن بقي على قيد الحياة والذين لم يُفرّطوا بشبر واحد من أرض الوطن. كما أحيي أولئك المناضلين الأحرار الذين كانوا في طليعة هذا النضال، وأخص بالذكر الرئيس الأول لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية قحطان محمد الشعبي -رحمه الله- الذين نذروا حياتهم، وقدموا أرواحهم فداء للوطن والثورة والوحدة بنكران ذات دون أن يجنوا من وراء ذلك أية مغانم شخصية، وكان لهم إسهامهم المعروف، في بناء دولة قوية مهابة في المنطقة، خالية من كل مظاهر الفساد والرشوة ونهب المال العام، ويسودها النظام والقانون.

وبهذه المناسبة أتذكر أن أولى القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية قحطان الشعبي عشية الاستقلال كان قراره المتعلق بالصلح العام بين القبائل الجنوبية، وإنهاء حالة الثأر التي كانت سائدة في زمن الاحتلال فيما كان يسمى بالمحميات الجنوبية.

وقد تم تنفيذ واحترام ذلك القرار من قبل الشعب منذ لحظة صدوره، ولم تسجل حالة ثأر واحدة قرابة ربع قرن كامل، مما يدل على سيادة النظام والقانون، واحترام الناس للدولة وهيبتها، وحرصهم على حياتهم، وتطورهم في مناخ يسوده الأمن والأمان، والاستقرار، والتطور السلمي للمجتمع.

وأردت أن أورد هذا كمثال واحد فقط، أما ما حدث في اليمن الجنوبي من صراعات سلطوية، فقد كان سببه تباين في الرؤى والتوجهات المتعلقة ببناء الدولة والمجتمع، وبالموقف من قضية الوحدة اليمنية، وبسبب غياب الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، وأيضاً بسبب الظروف المعقدة والمناخ السياسي، الإقليمي والدولي السائد حينها. ومن جانبنا جميعاً فقد تم نقد هذا السلبيات، والاعتراف للشعب بهذه الأخطاء حيث خسرت الثورة والتجربة في الجنوب، نتيجة لهذه الصراعات، العديد من أبنائها الأبرار ممن ذهبوا ضحية لها خلال مراحل مختلفة من عمر الاستقلال.

ولم تكن التجربة اليمنية الجنوبية، الوحيدة في ذلك، إذ مرت العديد من الشعوب والبلدان بتجارب مماثلة، وبظروف وأحداث مشابهة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء تلك الشعوب. ولم يكن الشطر الشمالي من الوطن، ولا ثورته، ولا تجربته، بمنأى عن تلك الصراعات التي ذهب ضحيتها عشرات، إن لم يكن مئات الآلاف من أبناء الشعب اليمني، حيث خسر اليمن العديد من خيرة أبنائه وقياداته الوطنية والسياسية خلال تلك الصراعات.

...لكن عظمة الشعوب، تقاس في قدرتها على تجاوز المحن، لا في المزيد من زرع الفتن، وتقاس في حكمتها على تجاوز الآلام، وصراعات الماضي، والنظر والتطلع إلى المستقبل، لا في نبش هذا الماضي والتمسك بأهدابه. وتكمن عظمة الشعوب في وضع وتنفيذ مشاريع النهوض الكبرى بالوطن وبأوضاعه .. وهو أمرٌ لاي قدر أن يقوم به إلا أولئك الرجال والقادة الذين يملكون رؤى مستقبلية لما ينبغي أن يكون عليه الوطن وكرامة المواطن.

إن الشعب اليمني، وقواه السياسية الحية، باتا اليوم، أكثر حاجة من أي وقت مضى، إلى استخلاص العبر والدروس من تجارب الماضي وأحداثه لتجنب تكرارها في المستقبل.. وفي حاجة ملحة إلى إزالة آثار كل الصراعات السياسية، والحروب السابقة، وتهيئة المناخ لجميع أبناء الوطن، للمشاركة في الحياة السياسية من خلال تنظيماتهم، وأحزابهم السياسية المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات الاجتماعية، والثقافية، وكل القوى الفاعلة في المجتمع، لبناء دولة عصرية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للنهوض بأوضاع الوطن والمواطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى