المحطة الأخـيـرة..يريدونها عشوائية بامتياز

> سلوى صنعاني:

>
سلوى صنعاني
سلوى صنعاني
سمعت من بعض كبار السن، وهم يتحدثون عن حركة المرور في مدينة عدن في زمن الاستعمار البريطاني، بأنهم كانوا يشعرون بمهابة كبيرة وهم يقودون سياراتهم في تلك الشوارع، التي تعتمد في تنظيم حركتها على الإشارة الضوئية المرورية .. حتى أن أحدهم حكى لي أنه في إحدى الليالي كان مضطراً إلى نقل قريب له إلى مطار عدن، وأن الساعة كانت حوالي الثانية بعد منتصف الليل، وكيف أنه وهو من سكان مدينة كريتر عندما وصل إلى الإشارة الضوئية الوحيدة في المدينة والمنتصبة في تقاطع الطريق المؤدية إلى مدينة خورمكسر.. حكى لي كيف أن الطريق كانت في تلك الساعة من الليل خالية تماماً من أي حركة، وكيف كان بإمكانه أن يقطع الطريق دونما حساب لأي لون من ألوان الإشارة الضوئية.. ولكنه توقف تلك اللحظة لأن الإشارة كانت توجب عليه التوقف، قائلاً لي بأن قوانين المرور أيامها كانت مزروعة في نفس كل سائق، وليست مرهونة بوجود شرطي المرور من عدمه.. مضيفاً بأن ما فعله في تلك الليلة عندما توقف تبعاً لتعليمات إشارة المرور كان يفعله كل سائق سيارة.

هذه الحكاية سمعتها منذ سنوات طويلة، وقد كنت أذكرها بين الحين والآخر كلما مررت بتلك الإشارة الضوئية التي ارتبطت في ذهني باحترام السائقين لقوانين المرور وآداب استخدام السائقين للطريق.

حتى أن هذه الحكاية تتداخل في ذهني مع بقايا ذكريات قديمة عن الإنجليز والفدائيين في شكل صورة عائمة لا ملامح لها ، في إطارها مظاهرات صاخبة تهتف بشعارات غاضبة، وجماهير متدافعة ترفع أعلام انتصار الثورة وإشراقة فجر الاستقلال.

اليوم وبعد انقضاء 38 عاماً على الاستقلال الوطني أسأل نفسي ما الذي حدث لحركة المرور في محافظة عدن، التي كانت محفورة في نفوس الناس كسلوك إنساني في الحياة؟ لماذا اختفى كل ذلك بسهولة لا يمكن تخيلها؟

أمعن التفكير في كل هذه الأسئلة المتناسلة، ولا أجد إجابة، سوى الحقيقة المرة التي انطفأت معها الإشارة الضوئية المرورية اليتيمة والوحيدة في مدينة كريتر لأكثر من عامين، دون أن تمتد إليها يد الإصلاح، وهي حقيقة تدل على انطفاء آخر علامة حضارية في هذه المدينة التي غرقت في بحر العشوائية والإهمال ومحاولة طمس جمالها ومعالمها.

وربما يكون انطفاء الإشارة الوحيدة في مدينة كريتر هو تعبير وطني عن إزالة آخر معلم استعماري خلفه المحتلون وراءهم.. لنكون بذلك قد خلصنا المدينة من ذلك التاريخ الاستعماري البغيض، لإكسابها طابعاً وطنياً خالصاً يجعل منها مدينة عشوائية .. وبامتياز.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى