الفساد لمصلحة الشعب

> حسام محمد سلطان:

>
حسام محمد سلطان
حسام محمد سلطان
في دول العالم الثالث الفساد ليس مرضاً وآفة تستوجب الاستئصال والاجتثاث، بل الفساد فيها دعامة رئيسة للحكم وأحد أسس الاستقرار والنماء والرخاء إلى ما هنالك. هكذا يريد منا منظرو الأنظمة الفاسدة أن نفهم، ومن هذا المنطلق ينبغي أن تبنى أحكامنا وتصدر ردود أفعالنا، فلا بديل للفساد في نظر هؤلاء إلا الهاوية والفوضى التامة والصوملة التي تتبعها الحوقلة. إذن نحن أمام حالة فريدة ينبغي لنا فيها أن نفهم الأمور بالمقلوب وأن نرضى بالمقسوم لأنه أفضل من الصوملة حيث يختلط الحابل بالنابل وتضيع حقوق الناس التي يفترض أنها مصانة وتسود الفوضى وينتشر السلاح ويصبح البقاء للأقوى وتضعف الخدمات الصحية والتعليمية أمام المواطن البائس وينهار الاقتصاد ويضعف القانون حتى يستنجد الناس بأصحاب الوجاهة، لا بالقضاء العادل والنزيه.. ولكن مهلاً أليس هذا هو الحاصل الآن في غالب دول العالم الثالث، الأمر إذن هو مجرد ورقة توت صغيرة تسقط وتنكشف العورة.

أما إذا أرادت شعوب العالم الثالث أن تتذوق من مائدة التغيير والإصلاح فلا وألف لا، فهي شعوب غير ناضجة لا تعرف مصلحتها، تنخدع بالعبارات الطنانة والخطب الرنانة ولا ترى ما تحقق لها من إنجازات عديدة من طرق ممهدة ومشاريع متعددة ومصانع تنتج أجود أنواع الكبريت والسجائر والعصائر. إذن وحتى تصل شعوب العالم الثالث إلى مرحلة النضج التي تستطيع من خلالها أن تعرف أين تكمن مصلحتها وتستطيع أن تميز فيها طريقها الذي سيقودها إلى مصاف الدول المتقدمة عليها أن ترضى بأن مصلحتها الحقيقية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة تكمن مع الفساد.

المتابع للانتخابات النيابية في إحدى دول العالم الثالث الكبرى هذه الأيام يجد تجسيداً حياً لهذه القناعة لدى أطناب مؤسسة الحكم في هذه الدولة، وهي بالمناسبة ليست حالة خاصة بهذه الدولة، حيث نجد أن تصريحات المسؤولين فيها تبدي الضيق الشديد من تعثر وسقوط رموز كبرى في الحزب الحاكم لصالح مرشحين من المعارضة، أصل هذا الضيق أن الشعب لا يعرف مصلحته كما قلنا.. لا يهم أن الشعب قد ضاق ذرعاً بالفساد ورموزه وعفنه، فمصلحة الشعب كما قلنا لا تنفصل عن الفساد، فالفساد أنجز العديد من المشاريع ورصف الكثير من الطرق.. كما أن للفساد فضلا كبيرا على الأجيال القادمة، فهو قد بنى المدارس وأنشأ الجامعات، كما أن للفساد خططا بعيدة المدى لا ينبغي قطعها في هذه المرحلة الحساسة، كما أن لديه شركات متعددة الجنسيات لا ينبغي الإضرار بها حتى لا تسوء سمعة البلد خارجياً.. كما أن التخلي عن الفساد في هذا الوقت سيرمي بالبلاد والعباد في أحضان الإرهاب والفوضى والصوملة التي تتبعها الحوقلة كما قلنا.

هكذا إذن ينبغي تعميق وترسيخ هذه القناعة رأفة بشعوب العالم الثالث التي لا ينبغي أن تسأل عن أشياء إن تُبدَ لها تسؤها، يجب ألا تنسى هذه الشعوب المطحونة بنيران الغلاء والفقر أن الفساد أفضل لها من اللا فساد، فاللا فساد في هذه المرحلة التاريخية الحرجة يعني اللا دولة، اللا فساد يعني الويل والثبور وعظائم الأمور.. التخلي عن الفساد الآن يعني التخلي عن مشاريع التنمية والاستثمار، وعن اللحاق بركب التطور والتقدم والتخلي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الدستورية و..و..و..

شيء محزن أن تعمى الأبصار إلى هذا الحد ويُستخف بالشعوب التي لم تعد تبالي كثيراً بما سيحدث لو فاز هذا الحزب أو ذاك.. كل ما تريده الشعوب هو التغيير، حتى لو كان للأسوأ للأسف الشديد.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى