هل يمكن للفوضى أن تكون خلاقة؟

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
الفوضى الخلاّقة .. مصطلح سياسي أطلقته الإدارة الأمريكية مؤخراً، وكانت السيدة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية أول من ذكر هذا المصطلح حينما زارت القاهرة قبل أشهر قليلة مضت، وأعتقد أن السبب في إطلاق هذا المفهوم الجديد يعود إلى رغبة الولايات المتحدة تجنب ما كانت تراهن على إحداثه في الشرق الأوسط من إصلاحات شاملة عن طريق الضغوط السياسية والاقتصادية وربما العسكرية بهدف إجبار النظام العربي الرسمي على اتخاذ تدابير محددة في عملية الإصلاحات المطلوبة، إلا أن تجربتها المريرة جداً في العراق، جعلت من مثل هذه الوسائل أمراً باهظ التكاليف والثمن، فكان عليها تبعاً للمعطيات الجديدة التي نجحت الأنظمة العربية في فرضها كأمر واقع (بطرقها الخاصة) التحدث عما هو أسهل وأقل كلفة من كل ذلك وهو مفهوم (الفوضى الخلاّقة).

مفهوم الفوضى الخلاّقة يقول إنه وعند نقطة محددة وحرجة جداً من حالة (الفوضى العامة) يمكن أن تبدأ هذه الفوضى في التحول من عامل (هدم) إلى عامل (بناء) على اعتبار أنها ستصل بالمجتمع إلى (مرحلة الذروة) من الفوضى، التي لن يقبل المجتمع مزيداً منها كشيء طبيعي، الأمر الذي سيحتم على مكونات الدولة استبدال النظام والقانون بالفوضى لأن الاستمرار فيما كان سائداً يعني بكل بساطة الانتحار الجماعي وتفويض مكونات الدولة الهشة أصلاً.

وسواء اتفقنا مع مفهوم هذا المصطلح ودلالاته من الناحية الجدلية من جهة وإمكانية حدوثه على أرض الواقع من جهة أخرى .. إلا أنني أزعم أنه لا يوجد (شخص موضوعي) سيختلف معي بأننا نعيش الآن مرحلة معينة من (الفوضى) التي تطبع بصورها وتأثيراتها السلبية الكثير من أوجه حياتنا اليومية وتعقيداتها المتشابكة، وسأكتفي للتأكيد على ولوجنا هذه المرحلة بالاطلاع على شواهد معينة تقدم هذا كدليل ونقرع من خلالها جرس الإنذار لمن يملكون اليوم مقاليد الأمور وزمام القيادة وذلك تحسباً لفشل نظرية (الفوضى الخلاّقة) من الناحية العلمية على الأقل حيث تستوجب عليهم الأمانة الوطنية سرعة التدخل وإصلاح الاختلالات البينة، التي نستشهد منها بما يلي من وقائع حدثت مؤخراً.

أول هذه الاستشهادات ما أدلى به السيد هنت رئيس شركة (هنت) والمسؤول التنفيذي للشركة من تصريحات تخص إشكالية الشركة مع الحكومة اليمنية حيث قال وبالحرف الواحد :«في تاريخنا الممتد (70) سنة والذي عملنا فيه في كل القارات باستثناء (انتاركتيا).. لم نلجأ مطلقاً للتحكيم للدفاع عن حقوقنا إلا في اليمن».. حيث من المتوقع أن ترفع (هنت) بقضيتها إلى محكمة التجارة الدولية ضد الحكومة اليمنية مطالبة بتعويضات مالية تقدر بـ (8 إلى 9 ) مليار دولار لتكون هذه القضية الثانية التي تحدث من النوع ذاته، وخلال عام واحد فقط بعد قضية الشيخ الصريمة!

أما المستثمر اليمني سالم مبارك بن حجرز، فقد تفاجأ - كما تفاجأنا نحن حينما قرأنا الخبر- في ليلة وصوله إلى صنعاء قادماً من موقع أعماله التي شرع في تنفيذها وفقاً لعقد موقع مع وزارة الأشغال بقيمة تقدر بحوالي مليار وثمانمائة مليون ريال يمني، أن (فرقة مكافحة الإرهاب) تقتاده إلى (السجن) ليمضي هناك ثلاثة أيام كاملة قبل أن تتدخل (المساعي الحميدة) وليس (القانون الحميد) لتفرج عنه بعد أن أصدر أحد المتنفذين أمره السامي بحبسه بتهمة التهديد لشخصه الكريم .. ضارباً عرض الحائط بكل القوانين التي يمكن من خلالها تقديم بن حجرز للقضاء تحت أي تهمة من التهم التي يمكن أن توجه إليه.

وفي محافظتي أبين وشبوة يبدو أن نفوذ الشخصيات الاجتماعية بات أكثر تأثيراً من نفوذ مؤسسات الدولة ومرافقها وذلك من أجل فض الاشتباك المسلح والمؤسف جداً، الذي جرت أحداثه الأسبوع الماضي وذهب ضحيته أكثر من خمسة أشخاص ي ساعات قليلة فقط.

وفي قرية قرو حيث يقطن السكان الأصليون وحيث يحتدم (صراع الجبابرة) على آلاف الكليومترات المنبسطة وحيث توجد مناطق حرة للاستيراد والتصدير وجد هؤلاء الضعفاء أنفسهم في مهب الريح العاتية فآثروا الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم ووجودهم ..إلا أن حالة الفوضى التي نتحدث عنها ألقت بهم في السجون عوضاً عن المعتدين ..إنها إحدى أبرز ما يمكن للفوضى (المدمرة) أن تنتجه من غرائب حيث يصبح الضحية في السجن والمعتدي هو السجان بعينه ..وحتى تأتي لحظة تحول الفوضى (المدمرة) إلى (خلاقة).. علينا الاستعانة بالصبر الذي لا يلين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى