حتمية تعديل نص المادة 289 من قانون المرافعات < 2 >

> «الأيام» جلال عمر البطيلي:

> المبحث الثاني ضيق وازدواجية التعامل مع نص المادة 289 لدى بعض محاكم الاستئناف وقضاتها لا شك ان ركاكة النص وضعفه وما صحبه من غموض قد ترك أثره في التعامل مع هذه المادة نصا وروحا من قاض الى آخر ومن محكمة الى أخرى .. وقد لاحظنا من خلال وقوفنا امام أكثر من قاض وأكثر من محكمة أن هناك أكثر من تفسير وأكثر من تطبيق وتعامل مع هذا النص، مما عكس ضعف هذا النص وعيوبه وأحدث تضاربا في قرارات الموضوع الواحد، مما أثر في عملية التقاضي .. ولعل أبرز تلك التناقضات التي عكستها تفسيرات ذلك النص من محكمة الى أخرى ظهرت فيما يأتي:

1- هناك من المحاكم من يذهب الى التعامل مع نص المادة 289 معتبرا أن غياب الجلسة الوارد في لفظ نص تلك المادة والذي ترتب عليه وجوب تحديد جلسة تالية وإعلان المستأنف بها ومن تم اعتبار استئنافه كأن لم يكن، هو ذلك الغياب للمستأنف عن الجلسة الاولى التي تحددها هيئة المحكمة للبدء في نظر ذلك الاستئناف بعد رفعه اليها من قلم الكتاب او الشؤون القضائية والذي يترتب عليه تحديد جلسة تالية وإعلان المستأنف بها فإذا تكرر ذلك الغياب رغم إعلانه بمعرفة هيئة المحكمة فهنا يتقرر اعتبار استئنافه كأن لم يكن، أي ان اصحاب هذا الاتجاه هم من يرون أن المعيار هو في الجلسة الاولى التي تحددها هيئة المحكمة وليس في غياب المستأنف لأول مرة ولو في غير الجلسة الاولى والثانية، أي ان الجلسة هي المعيار وليس الغياب دون رقم الجلسة، وهكذا فإن الجلسة هي المعيار وليس الغياب بمعزل عن رقم الجلسة وفقا لتفسيرات اصحاب هذا الرأي، ومثال لذلك اذا رفع الملف من قلم الكتاب او الشؤون القضائية محددا بموعد للجلسة الاولى الى هيئة المحكمة وعقدت المحكمة جلستها في هذا الموعد وتغيب المستأنف عن الحضور فهنا تحدد المحكمة جلسة تالية وتعلن المستأنف بها فإذا لم يحضر رغم إعلانه اعتبر استئنافه كأن لم يكن، والحكمة هنا من وجوب تحديد جلسة تالية ووجوب إعلان المستأنف بها هو التأكد من صحة الاعلان السابق له والتحقق من جدية استئنافه من عدمه وهذا هو التطبيق الصحيح لنص المادة غير أنه تطبيق لنص المادة وليس لروحها باعتبار أن للقانون نصا وروحاً.

2- وهناك من يذهب خلافا لما جاء في الفقرة 1 اعلاه من المحاكم في التعامل مع حكم المادة 289 وهم الذين يعتبرون ان غياب الجلسة الاولى المشمول بنص المادة اعلاه والمترتب عليه وجوب تحديد جلسة تالية واعلان المستأنف بها ومن ثم اعتبار الاستئناف كأن لم يكن هو ذلك الغياب الاول بالنسبة للمستأنف بغض النظر عن الجلسة إن كانت الاولى اوالثانية او الثالثة أي أن اصحاب هذا الاتجاه هم من يرون ان المعيار في ذلك هو الغياب بالنسبة للمستأنف وليس بالنسبة للجلسة خلافا لأصحاب الرأي الاول الذين يعتدون بالغياب عن الجلسة الاولى وليس عن غياب المستأنف لاول مرة، ومثال لذلك ان يرفع الملف من الشؤون القضائية محددا به اول جلسة لنظر الاستئناف وتعقد هيئة المحكمة جلستها الاولى وفقا لتحديد الشؤون القضائية فاذا حضر المستأنف هذه الجلسة ابلغ بموعد الجلسة الثانية وحضرها ايضا وابلغ بموعد الجلسة الثالثة فإذا لم يحضرها فهنا ووفقا لأصحاب هذا الاتجاه يتوجب اعلانه وتحديد جلسة تالية فإذا تغيب بعد ذلك اعتبر الاستئناف كأن لم يكن، أي أنهم لا يعتدون بالجلسة وإنما بالغياب الاول للمستأنف اكان في اول جلسة او في الثانية او في الثالثة او غيرها وإن كان واضحا فيه مخالفته لنص المادة 289 إلا انه يتمشى مع روحها لأن الحكمة من نص المادة الآنفة الذكر هي التحقق من جدية الاستئناف من عدمه بالنسبة لمن رفعه.

3- وإضافة الى من يعتد بالغياب عن الجلسة الأولى، ومن يعتد بالغياب الاول للمستأنف بغض النظر عن عدد الجلسات فهناك ايضا رأي ثالث وهو من يذهب اصحابه الى اعتبار الغياب الوارد في نص المادة 289 والذي يترتب عليه وجوب تحديد جلسة تالية وإعلان المستأنف ومن ثم اعتبار الاستئناف كأن لم يكن هو الغياب الاول للمستأنف وليس بالضرورة أن يكون عن الجلسة الاولى وانما هم يعتدون بالغياب الاول للمستأنف سواء كان في الجلسة الاولى او الثانية او الثالثة وهم بذلك يتفقون مع اصحاب الرأي الثاني في الغياب وفي وجوب تحديد جلسة تالية لذلك الغياب، غير انهم يختلفون معهم في عدم وجوب إعلان المستأنف بالجلسة التالية والمحددة عند غيابه معتبرين أن حضوره للجلسات السابقة هو كاف لإثبات صحة اعلانه إعلانا صحيحا وبالتالي لا حاجة لإعلانه ويكتفون بتحديد جلسة تالية عند غيابه المسبوق بحضور.

ومثال لذلك كأن يحضر المستأنف الجلسة الأولى ثم يشعر بموعد الجلسة التالية لها فيتغيب عن حضورها فتحدد جلسة تالية لها دون إعلانه بها فيتغيب أيضاً وهنا ووفقاً لأصحاب هذا الرأي يعتبر استئنافه كأن لم يكن.

4- أما الحالة الرابعة من تفسيرات نص المادة 289 وتطبيقاتها هي تلك المنعدمة والتي لم نشهد من يعمل بها حتى اللحظة حسب علمنا وهي الفقرة الأخيرة من نص المادة أعلاه وهي الأخذ بقرار التأجيل ستون يوماً أو الاستبعاد عند غياب المستأنف للجلسة الرابعة أو الثالثة التي يسبقها حضوره والتي لم يعالجها نص المادة الآنفة الذكر وأرجعتها الى القواعد المقررة أمام محاكم أول درجة والذي يترتب عليها حق المستأنف في تحريك استئنافه خلال المدة المقررة بستين يوماً من استبعاده أو تأجيله للغياب.

هذا هو الجزء المهمل كلياً في نص المادة والذي لم يعمل به على الإطلاق، وهو الذي أحدث الإرباك والتخلخل في النص، والذي اتفق الجميع ضمنيا على عدم العمل به وقد يكون ذلك تحسباً لما قد ينتج عن تطبيق هذا الجزء من النص من ضعف وكشف لعيوب النص. ولكن وفي جميع الأحوال يبقى هذا الجزء من النص هو تشريع منصوص به وبالتالي ملزم العمل به ومن حق كل ذي مصلحة التمسك به وفقاً للقانون. إلا أننا نعود ونقول انه وفي جميع الأحوال فإننا لن نستطيع الاحاطة بالنص وبالتطبيق الصحيح لمضمونه. وذلك لأننا سنجد أنفسنا إما أمام تطبيق روح هذا النص، أو أننا سوف نكون أمام تطبيق نص دون روح، وإما أننا سنخرج عن النص والروح لعدم إمكانية نفاذ هذا النص وتطبيقه دون إحداث تعارض وتضارب لبعضه البعض من جهة ولنصوص أخرى من جهة ثانية. أو لأن عواقب تطبيق ذلك الجزء من النص ستكون أوخم من إهماله.

وفي جميع الأحوال يبقى نص المادة 289 ناقصاً وقاصراً ويشكو من عيوب التشريع. ويبقى الخلل قائماً ولا يمكن معالجته من خلال التطبيق، وإنما لا بد من إعادة صياغة النص وتعديله.

ولهذه الأسباب: وإزاء كل هذا أجد نفسي ملزما أخلاقياً وقانونياً وأنا اختتم مقالي هذا بالإشارة إلى الأهمية والى الأمل الذي يحدوني تجاه المكانة العلمية والقانونية لرئيس محكمة استئناف محافظة عدن المشهود له في خدمة قضايا أحكام القانون وتطبيقاته. كما أجدها مناسبة أيضاً إلى أن أشير صراحة إلى تقديري الشخصي والقانوني معاً بمكانة الأخوة القضاة الأفاضل رئيس وأعضاء الشعبة التجارية والاستئنافية عدن ورؤساء وأعضاء الشعب المدنية عدن، الذين أجدهم هم الآخرون أكثر حرصاً على ضمان أحكام القانون وتطبيقاته رغم شحة الامكانات، ونأمل من الجميع الإسهام في التطبيق الصحيح للقانون لضمان عدالة التقاضي.

- محام ومستشار قانوني .

[email protected].

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى